رئيس التحرير
عصام كامل

فلا اقتحم العقبة

لم يترك الحق عز وجل لعباده المؤمنين سبيلا لتزكية أنفسهم وتطهير قلوبهم من حب الدنيا والعلائق والأغيار وإلى الفوز والسعادة في الآخرة إلا وقد دلهم عليه وأرشدهم إليه في كتابة الكريم. وها هي آيات مباركات يرشدهم فيها سبحانه وتعالى إلى أخطر العقبات وهي النفس، موطن الكبر والأنا والبخل والشح والأنانية ومحل الغرائز والشهوات.. 

ويصف لهم الدواء النافع والسبيل إلى علاجها والشفاء من أمراضها والخروج من أسرها. تلك الآيات الكريمة التي يقول فيها سبحانه "فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ۝ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ۝ فَكُّ رَقَبَةٍ ۝ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ۝ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ۝ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ۝ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ۝ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ" صدق الله العظيم.. 

 

العقبة هي الطريق الوعر في الجبل غير الممهد الشديد والصعب اقتحامه والسير فيه. واقتحامه يتطلب الصبر والجلد وتحمل المشقة والمجاهدة. هذا ولقد أشار العارفون بالله تعالى إلى أن المراد بالعقبة هي النفس بما فيها من أهواء وغرائز وشهوات وحب الدنيا ورؤية النفس واعتلالها بالأنا بما فيها من كبر وتعالي وغرور وأمراض من حقد وغيرة وحسد، وبغض وأنانية وحرص على الدنيا والتكالب عليها وشح وبخل ودناءة وجشع وطمع وحب الشهوات، وغير ذلك من الأمراض المبطونة في النفس الأمارة بالسوء. 

إطعام الطعام 

ولإقتحام كل ذلك والتخلص منه وتحرير النفس وعتقها من النار يتطلب المجاهدة الشديدة للنفس والشيطان وفتن الدنيا.. هذا ولكون النفس هي أشد العقبات التي تعترض طريق العبد في إقباله على ربه تعالى وسلوك طريقه عز وجل ودخول جنته أشار الرسول الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى عداوتها بقوله "أعدى عدو لك نفسك التي بين جنبيك إنها لأقوى من سبعين شيطانه"..

 

وجهاد النفس هو الجهاد الأكبر. هذا ومن المعلوم أن العبد إذا ما جاهد نفسه هداه الله عز وجل إلى السبل الموصلة إليه سبحانه، حيث يقول تبارك في علاه "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا". هذا وإن من أسباب تزكية النفس الكرم والجود والسخاء وإطعام الطعام والعطف على اليتيم والإحسان إليه وخاصة إن كان له صلة قرابة. 

 

هذا وقد شكى أحد الصحابة لرسول الله من قسوة قلبه. فأرشده عليه الصلاة والسلام إلى أن يمسح برأس اليتيم ويطعمه حتى يلن قلبه وتقضى حاجته. أو إطعام مسكين ليس له من يعوله وينفق عليه.. وإطعام الطعام من أحب الأعمال إلى الله تعالى ففي الحديث عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال "لقمة في بطن جائع أفضل من عبادة سبعون سنة".. وقال “ثلاثة يخاطبهم الله عز وجل يوم القيامة على منابر من النور. مشبع الجوعان ومكسي العريان ودليل المحتاج”. 

 

 

عزيزي القارئ ونحن في هذه الأيام المباركة أيام الشهر الكريم الذي ترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى، وفي تلك الأيام الشديدة التي يعاني فيها الكثير من الناس من الغلاء وشدة المؤونة، وخاصة اليتامى والفقراء والمساكين والأرامل، يجب علينا أن نسعى إبتغاءا لوجه الله تعالى لإقتحام العقبة لعلنا ندخل في جملة أصحاب الميمنة، الذين فازوا برضوان الله تعالى وجنته، وكان الله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه..

الجريدة الرسمية