رئيس التحرير
عصام كامل

ثورة يوليو.. ما حال الطبقة الوسطى؟!

ثورة 23 يوليو حققت مكاسب عديدة، أهمها في رأيى قانون الملكية  الذي حدد الملكية الزراعية للأفراد، وأخذ الأرض من كبار الملاك لتوزيعها على صغار الفلاحين المعدمين، كما قامت جمعيات الإصلاح الزراعى بتسلّم الأرض من الملاك بعد ترك النسبة التى حددها القانون لهم، وتوزيع باقى المساحة على الفلاحين الأجراء المعدمين العاملين بنفس الأرض، ليتحولوا من أجراء إلى ملاك.


وللإنصاف والأمانة فقد حققت ثورة يوليو ما لم يكن يحلم به الشعب المصري وقتها؛ ولولاها ما تملك الفلاحون أرضا ولظلوا أجراء لدى الغير يقتاتون الفتات.. وما تعلم بالمجان أبناء الفقراء ونحن منهم في مدارس تخرج فيها نوابغ كثر أمثال الدكاترة مصطفى مشرفة وفاروق الباز وأحمد زويل ومصطفى كامل السيد ومجدي يعقوب  وغيرهم.. فهؤلاء وأمثالهم تلقوا تعليمًا راقيًا في مدارس مصر وجامعاتها جعلهم مؤهلين للحاق بركب العالمية بصورة ربما تفوق ما تلقاه وقتها طلاب في مدارس وجامعات أوروبية.

أهمية الطبقة الوسطى


وهذا في رأيى هو التحول الاجتماعي ذو الشأن الذي يحسب لثورة يوليو التي مهما تتفق أو تختلف معها لكنها تظل نقطة تحول مهمة.. اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا في حياة الطبقة الوسطى في مصر حتى أنها كانت بمثابة بعث جديد لها  بما منحته من فرص العيش الكريم عبر تملك الأرض وتقلد الوظائف والحصول على فرص عمل في المصانع والشركات الحكومية مما ساعد  تلك الطبقة على التوسع والترقي الاجتماعي حتى باتت حاضنة حقيقية للإبداع والإنتاج والتطور.


الطبقة الوسطى هى صمام أمان لكل مجتمع؛ عافيتها تدل على تعافيه الاقتصادي والاجتماعي، وكلما زادت، كبُرَ حجم الاقتصاد ونما، وضُبِطَ إيقاعه بمختلف المجالات.. ومن ثم فلا غنى عنها لأي مجتمع ناهض.. ومن ثم فإن تنميتها وإنعاشها يبقى أولوية قصوى يصب إنجازها تلقائيًا في صالح فئات المجتمع كافة.. 

 

فهي الطبقة الضابطة لإيقاع المجتمعات، والمحركة للاقتصاد لأنها الأكثر إنفاقًا، نظرًا لحجمها الأكبر، وما يملكه أفرادها من خبرات ومعارف، تسهم على نحو كبير في حل المشكلات الاقتصادية، وتجاوز التحديات، إذا ما  تحققت طموحاتهم الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية.


وهى المحرك للثقافة والسياسة، وصمام أمان المجتمعات وإحدى علامات تطورها، كونها تمثل الطبقة العريضة بين الطبقتين الغنية والفقيرة، وتعبر عن القاسم المشترك الأعظم بينهما..وفي المقابل فإن تراجع أو اندثار تلك الطبقة أو اضمحلالها، يقود على الأقل اقتصاديًا لتراجع الإنفاق والاستهلاك، وركود الأسواق، وانخفاض الحراك الاجتماعي والتجاري، وزيادة معدلات البطالة، وقلة المساواة، وتراجع المشاريع..وثقافيًا وعلميًا يقود هذا التراجع إلى انخفاض منسوب الإبداع والابتكار والتميز.


والسؤال الذي يثور اليوم بعد واحد وسبعين عامًا من قيام ثورة يوليو.. ماذا بقي من الطبقة الوسطى.. وكيف نعيد لها عافيتها وقوتها لتظل ضمير المجتمع ونواته الصلبة حارسة للقيم، وطاقة متجددة لا ينضب إبداعها وإسهامها الحضاري.. 

 

 

إذا تآكلت الوسطى أصبحنا بين حدين متطرفين، أحدهما الطبقة الدنيا التي يثقلها الفقر والمرض والتخلف.. والطبقة العليا المترفة التي لا يمكن لأي مجتمع أن ينهض على أكتافها.. فإذا أردنا مجتمعًا نابضًا بالحياة فلا مفر من ابتعاث جديد للطبقة الوسطى واسطة العقد ومحور الارتكاز وصمام الأمان.. فمتى نعيد للطبقة الوسطى حيويتها وقوتها لتدب الحياة في أوصال المجتمع؟!

الجريدة الرسمية