رئيس التحرير
عصام كامل

التاريخ السري للحروب الأهلية

في قرية صغيرة عند أطراف البحر، كانت عشرات الأسر تعيش في سلام، كل واحدة منها تشكل بيتا لديه بالكاد ما يكفيه من الطعام والشراب واحتياجاته الأساسية.

 

ولعقود طويلة ظل الحال هادئا، وكل بيت مقفول على ما فيه من بشر وحيوانات، وفي المناسبات المختلفة كانت الأسر تلتقي في ساحة القرية.. البعض منها يتسامر أفراده والبعض الآخر لا يصافح أحدهما مع جاره، لكن أحدهم لم يخرج عن المألوف، حيث يسود عرف متوارث من جيل لآخر.

 

ولأن دوام الحال من المحال، نبتت شجيرة الطمع في قلوب بعض من سكان هذه القرية، وقال أحدهم في نفسه: لماذا لدى البيت المجاور طعام أفضل من طعامنا رغم أننا أفضل منهم؟ أفرغ ذاك الرجل الطامع بما في نفسه إلى أخيه، الذي نصحه بأن يكف عن هكذا تفكير، فلكل ما قدر له، غير أن الطمع كان قد تملك من صاحبنا، وعزم على سرقة ما لدى الجيران من طعام.

 

تسلل صاحبنا الطامع إلى بيت الجيران، في غفلة منهم، وحمل في حقيبته معظم ما في الدار من طعام، ثم فر عائدا إلى بيته، ولسوء حظه أن طفلا من البيت المسروق كان قد شاهده، فأبلغ عائلته.. ذهب وفد من العائلة المسروقة إلى بيت السارق طلبا لاستعادة طعامهم ومحاسبة اللص، لكن أسرة السارق أنكرت الأمر ورفضت تسليم الطعام أو محاكمة ابنها.

 

عاد الوفد منكسرا، وأخبر باقي أفراد العائلة بأن «المسامح كريم»، ظنا منهم أن ذلك من شأنه أن يجنب العائلة المزيد من الأضرار حال الدخول مع عائلة اللص في نزاع، لكن ذلك لم يعجب مجموعة من أفراد البيت المسروق وقرروا المواجهة.

نهر من الدماء

ذهبت المجموعة الغاضبة إلى بيت السارق، وهددتهم إما استعادة الطعام أو شن حرب شعواء تحرق الأخضر واليابس، وبعد مداولات قررت عائلة اللص أن تعيد المسروقات.

 

داخل بيت اللص، جلست العائلة تلوم على ابنها فعلته، وكيف أنه عرضهم إلى خطر كبير، فالعائلة المسروق طعامها أكثر عددا وقوة، غير أن أحد أفراد العائلة رأى أن في تسليم الطعام المسروق والإذعان لطلبات العائلة المجاورة إنما هو أمر يجلب العار عليهم.

 

قال كبار عائلة اللص إن في الأمر عار فعلا، لكنه أخف ضررا من غارة تشنها العائلة المسروقة تبيدهم تماما، وهنا قام حكيم من الحضور وتقدم الصفوف، وأخبرهم بأن لديه خطة من شأنها أن تمحي العائلة المجاورة من الوجود، فأنصت إليه الجميع.

 

ذهب الحكيم إلى العائلة المسروقة مصطحبا عدد من حسناوات عائلته وفي يد كل واحدة منهن سيف من الذهب، واقترح أن يتزوجن من أشجع شبان العائلة الجارة على سبيل الاعتذار والتقريب بين الطرفين بالمصاهرة والدم على أن تكون تلك السيوف مهورا لأزوجهن.. وكان له ما سعى إليه.

 

في البيوت المختلطة، راحت كل زوجة تزرع نبتة شهوة السلطة في قلب زوجها وتغذيه بالحقد والكراهية تجاه أخيه من العائلة نفسها، فخرج الشبان إلى الساحة وصدورهم تشتعل بالشهوة وكل منهم يحلم بتاج الحكم، فاحتكموا إلى السيوف الذهبية، على أن يصبح آخر الأحياء منهم كبيرا للعائلة، وله أيضا أن يتزوج من أرامل الخاسرين.

 

تحولت الساحة إلى نهر من الدماء تسبح فيه أشلاء خيرة الرجال وأشجعهم، وفي لمح البصر خلت العائلة من شبابها ولم يعد فيها سوى الأطفال والشيوخ.. وفي اليوم التالي استيقظ الشاب الفائز في القتال الأخوي ليأخذ نساء إخوته ليصبحن زوجاته، لكنه لم يجد حتى زوجته الأولى، التي كانت قد عادت هي وصاحباتها الأرامل إلى عائلتهن..

 

 

وفي نهار ذاك اليوم، حاصرت عائلة السارق بيت العائلة المسروقة، وأجبرت أفرادها على مغادرة المكان وإلا شنقتهم واحد جنب الآخر على أسوار المنزل.. فرضخوا صاغرين وغادروا إلى غير رجعة.. وبينما جموع المغادرين تمضغ الصمت، صاح الحكيم وهو يجمع السيوف الذهبية: لا تقاتل جيرانك فيتوحدون ضدك، بل ازرع الأطماع في صدورهم ودعهم يتقاتلون لأجلك.

الجريدة الرسمية