رئيس التحرير
عصام كامل

شهيصنى يا أسطى!

في الماضى كان لقب الأسطى والمعلم لهما معنى دال على ثقل ومهارة النقاش أو السباك أو الميكانيكى مثلا، ولم يكن يطلق اللقب هباء على من لا يستحق.. الصبى صبى والمعلم معلم! وحين اختل المعيار الطبقى بعد الإنفتاح في السبعينات طمع السباك في لقب الدكتور والسائق في لقب المهندس، وهكذا فقد الطبيب والمهندس لقبهما أو بالأصح أغتصب منهما وشجع  المجتمع عملية السطو وهلل في تصرف احتجاجى على فقدان قيمة العلم أمام سطوة المال، لكنها على أية حال كانت توحى بتقدير قيمة اللقب العلمى للدرجة التي يطمع فيه أصحاب الحرف أو المهن الأخرى!

ومؤخرا وأنا أتابع الجيل الجديد وجدت ردة أخطر، تعدى الأمر الألقاب إلى الألفاظ والمفردات.. نعم بشكل استفزازى يوحى بالتمرد والاحتجاج يمكن على اختلال واختلاف المعايير الأخلاقية والجمالية يمكن، لكنها تعبر عن هزة بكل المعايير..  أصبح الطلاب من الكى جى حتى الجامعة يتنادون بلقب يا أسطى ووصل الأمر إلى البنات أيضا!

مفردات غريبة

ومن السينما أخذوا يا صاحبى ويا زميلى والغريبة أن اللفظ يكون مذكرا حتى بين الإناث ووصل القبح إلى منتهاه حين تحولت ألفاظ مقرفة إلى لفظ عادى جدا يجرى على ألسنتهم مليون مرة في اليوم.. بنات من سن 14 سنة يتنادين بلقب "وليه" وتحولت لفظ أموره أو قمر إلى مزة وإستبدل لفظ تمام إلى قشطة، والإزاحة سنتيمتر إلى سيكا والتعبير عن إنتهاء النقاش إلى خلصانة أو مات الكلام ..

نعم كل جيل من حقه ان يخترع لغته الخاصة بمعاييرها الجمالية لكن أن يستبدل الجمال بالقبح والحياء بقلة الحياء فهذه أمور تستدعى وقفة شاملة ليست بالقانون لكن بالعلم والفن والثقافة والدين.. أشعر إننى في مأزق مع لغة أولادى خاصة البنات من هذه الألفاظ اللاتى يستغربن كسوفى من بعض الألفاظ.. الأولاد في ابتدائى ينطقن  لغة لم نعرف مفرداتها إلا في الجامعة.. 

كنا نعرف أن الفئات المختلفة لها لغاتها الشفرية الرمزية وكنا نتندر عليها، للنشالين لغتهم والترزية مفرداتهم، فالمرأة الجميلة إبرة محلية والبنت الصغيرة إبرة صغارى، والصاغة لا يبيعون الذهب فقط لكن قد يزنون الزبون ويبيعونه بالجرام ويصنفونه كما يصنفون الذهب والصفيح.. والعوالم وقطاع الطرق كان لهم لغتهم أو ما يطلق عليه أبناء الكار بـ "السيم" وبلغة اختزالية أحيانا تحذف حروفا وتضيف أخرى عن عمد لإقامة بنيان لغوى مختلف، ومع ذلك كان المجتمع العلنى يحافظ على تطوره وجمالياته من جهة وكان الكل يحافظ على حروف اللغة العربية من جهة ثانية.

 

تمرد الشباب

الآن أصبحت اللغة الشبابية تستبدل الحروف العربية بالانجليزية وتطوع الأرقام أو الرموز الإنجليزية للتعبير عن الحروف العربية الغائبة منها،  فرقم 7 بدلا من الحاء و"،" بدلا من الخاء و"3" بدلا من العين وهكذا، يعنى هيمنة اللغة الإنجليزية لغة ومفردة وحروفا فماذا يتبقى من اللغة العربية؟!

نعم أفهم تمرد الأبناء على الآباء والمجتمع فترة حتى يفيقون لرشدهم لكن إذا ضاعت اللغة ضاعت الهوية للابد، فشهيصني ياجدع.. أصبحت اللغة بين أى أخين في أسرة واحدة "سيم" بينهما، يتكلمان بعبارات لا يفهمهما الأب أو الأم، مثل الهجامة وأصحاب المهن المختلفة، ولا يقتصر الأمر على مصر لكن الظاهرة في كل مكان، ويختلف السيم أو لغة الشباب من دولة إلى أخرى ومن الجنوب إلى الشمال ومن الشرق عنها في الغرب ليبقى لكل مجتمع شبابي لغته الخاصة المعبرة عنه، لتكون في النهاية قاموسا لغويا متخصصا في لغة الشباب، والذي يسمى في مصر على سبيل المثال قاموس روش طحن. 

وجولة في هذه المفردات تجعلنى أشعر بغربة شديدة وكأننى هبطت من كوكب تانى.. خد عندك، إستمورننج: وتعني الاصطباحة واستكانة: وتقال عن الشيء القليل وسقع المواضيع: وتقال للصبر عن الشيء أو الإنتظار أي أتركه الآن، التنين (حلوة التنين): وهي تفخيم للشيء فمثلا يقال هذه البنت حلوة التنين أي أنها جميلة جدا، شهيص الأمور:  وتعني راعيني، فمثلا يقال شهيصني وأنا أرسيك على الأمور معناها راعيني وسوف أقول لك ما تريده، لوك لوك: وهي الثرثرة، الباراشوت: تقال عن الشخص غير المستحب والذي يكون إنضمامه إلى المجموعة غير مرغوب فيه، سنكوح سنكحه: وتقال للشخص البخيل أو الذي ليس لديه مال. نفض للمواضيع، أي أتركها.. 

نقول تانى ولا كفاية؟!

yousrielsaid@yahoo.com

الجريدة الرسمية