رئيس التحرير
عصام كامل

مدير مركز بحوث الشرق الأوسط بجامعة عين شمس: الإسكندر الأكبر شيد 50 مدينة أخرى باسم الإسكندرية في إيران وباكستان وأوروبا وأمريكا | حوار

الدكتور أشرف مؤنس
الدكتور أشرف مؤنس

«إسكندرية واحدة وتبعتها 49 مدينة بعد ذلك».. حلم استطاع الإسكندر الأكبر تحقيقه خلال سنوات حكمه بأن خلد اسمه في التاريخ بعدما أنشأ العديد من المدن التي تحمل اسم «الإسكندرية» في أكثر من بلد، العراق، إيران، باكستان، وغيرها.

 

إسكندرية المصرية

غير أن عروس البحر المتوسط، «الإسكندرية» المصرية تظل – رغم مرور السنوات – بمثابة «دُرة التاج» والمدينة الأهم في تاريخ جميع المدن التي تحمل الاسم ذاته.

وفي ذكري تأسيسها التقت «فيتو» الدكتور أشرف مؤنس، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر مدير مركز بحوث الشرق الأوسط، جامعة عين شمس الذي كشف العديد من المحطات التاريخية التي مر عليها قطار المحافظة الأهم في التاريخ المصرى، كما ألقى الضوء على أبرز رموزها وسكانها والمواقف التاريخية التي مرت بها عبر التاريخ، وكان الحوار التالى: 

*بداية.. متى كانت الخطوة الأولى لظهور مدينة الإسكندرية؟

الإسكندرية من أهم وأشهر وأقدم المدن التي تحمل هذا الاسم، أسسها الإسكندر الأكبر المقدوني عام 332 ق.م، وأسند بناءها إلى أحد المهندسين وكان يدعي دينوقراطيس، فصممها على نمط المدن اليونانية، ونسقها بحيث تتعامد الشوارع الأفقية على الشوارع الرأسية مثل قاعدة الشطرنج شوارع بالعرض وبالطول.

وبالتالي كل شوارع المدينة تطل على شرق البحر المتوسط، وظلت هذه المدينة عاصمة لمصر لمدة 1000 عام حتى الفتح العربي الإسلامي في عهد عمرو بن العاص، وشيد الإسكندر 17 مدينة باسم الإسكندرية في إيران وأفغانستان وباكستان والعراق، وعلى مر العصور وصل عدد المدن التي تحمل اسم الإسكندرية إلى نحو 50 مدينة.

5 مدن في أوروبا و22 مدينة في الولايات المتحدة و3 مدن في أستراليا، ولكن تبقي مدينة الإسكندرية في مصر هى الأزهي والأقدم والأكثر خلودًا بينهم، وقد حاول الإسكندر الأكبر صبغ الإسكندرية بالصبغة العسكرية كمدينة للجند الإغريق.

وفي زمن البطالمة تحولت لمدينة ملكية تتزين بالحدائق والأعمدة الرخامية البيضاء وشوارعها المتسعة، واليوم ها هي مدينة للثقافة والفنون والمزارات والآثار والمعالم السياحية وتخلد المهرجانات والمعارض والمؤتمرات.

*ما أبرز المعالم السياحية التي تتميز بها مدينة الإسكندرية؟

مكتبة الإسكندرية القديمة وتضم ما يزيد على 700 آلف مجلد وما يقرب من 8 ملايين كتاب من أهم كتب العالم، وتعتبر أول معهد أبحاث حقيقي في التاريخ، وكانت - ولا تزال – قبلة الكثير من العلماء والفلاسفة من مختلف بلدان العالم، فهي أضخم مكان مخصص للقراءة تحتوي على 2000 مقعد.

والمكتبة الجديدة مصممة على شكل قرص الشمس باعتبارها منارة العلم والعلماء وبها كتب بمختلف لغات العالم.

ومن أهم معالم الإسكندرية أيضا، منارة الإسكندرية التي تعتبر إحدى عجائب الدنيا السبعة في العالم القديم، ويصل ارتفاعها لـ120 مترا، وصممت خصيصا لإرشاد السفن في البحر المتوسط، حيث وضعت أعلاها مرآة تعكس ضوء الشمس نهارا ويتم إشعال النار فوقها ليلا، وهناك أيضا متحف الإسكندرية القومي بوسط المدينة.

وكان في البداية قصرا لتاجر خشب إيطالي يدعي «أسعد باسيلي» وشيد على التراث الإيطالي، وظل يسكنه حتى عام 1954 ثم باعه بعد ذلك واشترته وزارة الثقافة المصرية، ويحتوي على 1800 قطعة أثرية تمثل مختلف العصور المصرية الفرعونية والبطلمية والعثمانية والإسلامية وصولا للعصر الحديث والمعاصر، وهذا المتحف من أهم المزارات في الإسكندرية.

ومن ضمن مزارات الإسكندرية منطقة «كوم الشقافه» التي تعد من أبرز معالم الإسكندرية فهذه المنطقة تحتوي على ما يقرب من 300 مومياء من عصور المصريين القدماء واليونانيين والرومان، وبها أيضا المزار الروماني في كوم الدكة.

كما تحتضن عروس البحر المتوسط المسرح الروماني الوحيد في مصر، والمعبد اليهودي الذي يتسع لأكثر من 900 شخص، ومتحف كفافيس الخاص بالشاعر اليوناني قسطنطين كفافيس وبه جميع متقنياته وأيضا معملا للتجليد، ودير القديس مينا الذي يرجع للقرن الرابع الميلادى، وهناك أيضا قلعة قايتباي التي أسسها المماليك للدفاع عن المدينة عندما تتعرض للغزو، هذه القلعة بها متحف بحري يحتوي على آثار المعارك البحرية التي خاضتها مدينة الإسكندرية منذ زمن الرومان حتى الحملة الفرنسية، كما تتضمن الكثير من المخلوقات البحرية النادرة.

*هذا فيما يخص «تاريخ الحجر».. ماذا عن «تاريخ البشر»؟

الإسكندرية لها بطولات كثيرة عبر التاريخ، أبرزها أثناء الحملة الفرنسية على مصر في أواخر القرن 18 وعلى وجه التحديد أوائل شهر يوليو 1798، جاءت الحملة الفرنسية عبر الإسكندرية، فوجدت مقاومة شعبية عنيفة من أهل المدينة كان قائدها محمد كريم حاكم الإسكندرية آنذاك، وأبلي المصريون بلاء حسن ، وظلوا يقاومون الفرنسيين لأكثر من 20 يوما قبل أن ينتصر الفرنسيون بسبب فرق التسليح التي كانت ضمن الحملة.

*كيف كانت الإسكندرية خلال عصر النهضة الحديثة؟

عروس البحر المتوسط كانت محل اهتمام مؤسس الدولة الحديثة «محمد على باشا» الذي جاء إلى الإسكندرية باعتباره قائد الجند الألبان، وظل في الإسكندرية منذ عام 1801 حتى بعد خروج الفرنسيين، فقد شيد مقرا له فيها، وجعلها مقرا لقناصل الدول الأجنبية، وحتى الآن يوجد في الإسكندرية ميدان يدعي ميدان القناصل.

لذلك يطلق عليها المؤرخون لقب مدينة مصرية يسكنها الخواجات، حيث أخذت طابع الشخصية الأوروبية، فقد عاشت فيها الأقليات الأوروبية، وأشارت بعض الإحصائيات إلى أن عددهم كان 5 آلاف من الفرنسيين واليونانيين والشوام واليهود، وقد حفر محمد على باشا ترعة المحمودية في الإسكندرية لتوصيل المياه العذبة للمحافظة وربطها بنهر النيل، وهو ما كان له تأثير على انتعاش الاقتصاد في عروس البحر المتوسط، وصمم الميناء الغربي ليكون الميناء الرئيسي والرسمي لمصر في الإسكندرية.

كما شيد محمد على باشا منطقة المنشية تحت إشراف كبار المهندسين، وأنشأ قصر رأس التين وكان المقر المفضل له، وشيد أيضا دار الصناعة البحرية «الترسانة البحرية» لتلبية مطالب الأسطول المصري، كما اهتم الخديو إسماعيل بالإسكندرية وتخطيط المدينة، حيث أنشأ بها شوارع وأحياء جديدة وأنار الشوارع لأول مرة بغاز المصابيح، واهتم بتنظيف الطرق وأنشأ شبكة للصرف الصحي ما زالت موجودة حتى الآن.

وكما كانت الإسكندرية بداية الأسرة العلوية كتبت نهايتها، فقد خرج الملك فاروق منها على متن السفينة المحروسة من الإسكندرية إلى إيطاليا، وكأن القدر يشاء أن تكون الإسكندرية هي البداية والنهاية لمحمد على، وفي عهد ثورة يوليو 1952 كانت الحكومة تتخذها مقرا صيفيا، أعلن الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر يوم 26 يوليو من على أرضها وبالأخص من ميدان المنشية تأميم الشركة المصرية لقناة السويس.

*ماذا عن أبرز أعلام ورموز محافظة الإسكندرية؟

الملكة كليوباترا السابعة آخر ملوك الأسرة المقدونية وحكمت مصر بعد وفاة الإسكندر لمدة 19 سنة من 51 ق م إلى 30ق م، وأيضا إقليدس عالم الرياضيات، والفيلسوفة هيباتيا السكندرية، مينيلوس السكندري عالم رياضيات وفلك.

ومن أبرز أعلام المدينة في التاريخ الحديث محمد كريم مناضل حملة الفرنسية، وعبدالله النديم أديب مصري ويطلق عليه خطيب الثورة العرابية، وعباس حلمي الثاني خديو مصر في أواخر القرن 19، وسيد درويش الموسيقي ومجدد النهضة الموسيقية وملحن بلادي بلادي لكي حبي وفؤادي وله دور في قيام الثورة المصرية 1919، الأميرة فوزية بنت الملك فؤاد الأول وإمبراطورة إيران، الأميرة فريـال ابنة الملك فاروق، والرئيس الراحل جمال عبد الناصر من مواليد الإسكندرية، وفاروق حسني وزير الثقافة الأسبق.

وأحمد نظيف رئيس وزراء مصر الأسبق، وتوفيق الحكيم الكاتب والأديب المصري، والراحل الدكتور إبراهيم الفقي أستاذ التنمية البشرية، ومن الفنانين مواليد الإسكندرية محمود عبدالعزيز وسمير صبري وأحمد آدم وأنغام ومصطفى قمر، ومن الرياضيين السباح العالمي عبداللطيف أبو هيف الحاصل على لقب أفضل 3 سباحين على مستوى العالم.

وتطلق على بعض شواطئ الإسكندرية اسمه تمجيدا له، وكرم جابر المصارع الأوليمبي، وهناك أيضا ملوك ورؤساء عاشوا في الإسكندرية، منهم فيكتور عمانوئيل الثالث آخر ملوك إيطاليا عاش في إسكندرية وتوفي فيها ودفن فيها، قسطنطين الثاني ملك اليونان، إلى جانب الملك فيصل والملك حسين. 

*كم تبلغ مساحة محافظة الإسكندرية، وماذا عن أول خريطة صممت لها؟

تبلغ مساحة المحافظة 2818 كم، وأول من صمم خريطة للمحافظة المهندس محمود باشا الفلكي عام 1865 في عهد الخديو إسماعيل، أوضح فيها تصميمها، وتحتوي على 18 شارعا رئيسيا 7 شوارع بالطول، و11 شارعا بالعرض، ووفق لآخر الإحصائيات يبلغ تعداد عدد سكانها 5 ملايين نسمة.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"..  

الجريدة الرسمية