رئيس التحرير
عصام كامل

صلاح جاهين.. أيقونة العصر الناصري

صلاح جاهين
صلاح جاهين
على مدار تاريخ الأوطان وتتابع الحقبات السياسية المختلفة، برموزها وآمالهم وتحدياتهم، انتصاراتهم وانتكساراتهم، وتعلق آمال الشعب بهم، يبرز بطبيعة الحال والتأثر بما تمر به بلدهم نخبة من مفكرينها وكتابها المؤمنين بمشروع حكامها وطموحاتهم. 




صلاح جاهين حالة فريدة فى تاريخ الإبداع المصرى، قدم نموذجا للمثقف المتنوع الموهوب، وتحول لأيقونة للعصر الناصرى الذى بدأ بأحلام جيل كامل من المصريين قبل أن يفيق الجميع على نكسة 1967 والتي لم تكن فقط هزيمة حربية، بقدر ما كانت نهاية لحقبة وبداية لعصر جديد من التحديات الجسام التي خاضتها الدولة المصرية. 



مثلت حركة الضباط الأحرار وثورة 23 يوليو 1952، مصدر إلهام كبير لصلاح جاهين حيث قام بتخليد جمال عبد الناصر فعليًا بأعماله، وسطر عشرات الأغاني، ليصفه البعض بشاعر الثورة ومجسد آمالها المعقودة على حكام البلاد الجدد.


آمن صلاح جاهين بمشروع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ليسخر قلمه وكتاباته لدعمه ومآزرته في أحلك الظروف التي مرت بها مصر خلال فترته. 



"على اسم مصر.. مصر النسيم.. ترن من تاني نفس النبرة في وداني.. مصر التلات أحرف الساكنة اللي شاحنة ضجيج.. مصر اللي عمر الجبرتي لم عرف لها عمر"، قصائد نظمها صلاح جاهين في حب مصر في الحقبة الناصرية، وصدحت بها الصحف، وتغنى بها الكثير من المواطنين والنخبة، وشكلت وجدانا باقي في عمر الأمة المصرية.


لكن الحلم الجميل لم يكتمل، ومسيرة صلاح جاهين تغيرت كما تغيرت مسيرة الوطن، بعد نكسة حرب 1967، والتي لم يصدقها المصريين جميعا وعلى رأسهم شاعر ثورة 52، خاصة بعدما تغنت أم كلثوم ب"راجعين بقوة السلاح" من كلماته، قبل ساعات فقط من الحرب، وآمال النصر على الكيان الإسرائيلي.


حالة من الاكتئاب عاشها صلاح جاهين عقب النكسة، وتغير أسلوب وكلمات أعماله بعدها، كما اعتبرها البعض الملهم الفعلي لأهم أعماله وهي "الرباعيات" والتي قدمت أطروحات سياسية تحاول كشف الخلل في مسيرة الضباط الأحرار، وما أدى لهزيمة 67.


النكسة انعكست أيضا على حياة صلاح جاهين الزوجية وانفصل عن زوجته الأولى، حيث قال في أحد الحوارات: "هذا الانفصال المؤلم كلفني فشل حياة زوجية كاملة راح ضحيتها الأطفال.. المرض هو الذي كان يقف في طريقي وليس زوجتي".


كان طلاقه من زوجته الأولى بسبب حالة من حالات الاكتئاب التي كانت تنتابه، لذلك عندما تزوج للمرة الثانية كتب في العقد أنه يمنح زوجته حق الطلاق.


وتزوج صلاح جاهين من الكاتبة منى قطان بعد النكسة، وتصف زوجته الحالة التي مر بها في كتابها "أيامي مع صلاح جاهين"، قائلة: "كنا في حالة اكتئاب رهيب، هذا الاكتئاب ساعده على أن يكون شاعراً، وإن فترات المرح المصطنعة النابعة من حالته المرضية هي التي خلقت التأملات الكاريكاتورية، وكانت عظمته تكمن في أنه ظل دائماً غير راضٍ عن إنجازاته على المستوى الشخصي وعلى المستوى العام".


دخل بعدها صلاح جاهين في طور جديد من الكتابة، حيث قدم بجانب رائعته "الرباعيات" العديد من الأعمال الني اختلفت عن نهجه قليلا، ومنها "خللي بالك من زوزو"، "يا ماما ستو"، وفي المسرح قدم إبداع "الليلة الكبيرة"، وغيرها من الأعمال. 


انتابت صلاح جاهين عقب وفاة جمال عبد الناصر حالة الحزن الشديد، وشعوره بالانكسار لأنه كان من وجهة نظره الملهم والرمز لكرامة مصر، حيث لم يستعيد بعدها جاهين تألقه وتوهجه الفني الشامل.


في الذكرى الأولى  لوفاة جمال عبد الناصر كتب صلاح جاهين قصيدة قصيرة جاءت على هيئة برقية من شعب مصر للراحل، لكن محمد حسنين هيكل الذي كان في وقتها رئيساً لتحرير "الأهرام" خشي أن تثير تلك القصيدة حفيظة الرئيس محمد أنور السادات، خاصة أن بوادر الخلاف بين هيكل والسادات قد بدأت في الظهور، فآثر عدم نشرها.


لكن بعد ذلك وبعدما عهد أحمد كمال أبو المجد وزير الإعلام في تلك الفترة إلى الناقد رجاء النقاش برئاسة تحرير مجلة "الشباب"، والتي كانت تصدر عن أمانة الشباب في الاتحاد الاشتراكي، وتصادف وقت صدور العدد الأول من المجلة مع مرور السنوية الأولى لرحيل عبد الناصر، فقرر "النقاش" أن يضم العدد قصيدة جاهين التي خشي هيكل من نشرها، وهو أمر لم يكن النقاش على علم به.


وصدر العدد بالفعل، والقصيدة ضمن مواده، لكن تم إقصاء رجاء النقاش هو وفريق التحرير الذي اختاره من المجلة نهائياً.


وتقول كلمات القصيدة: "إلى الرئيس جمال عبد الناصر/ العنوان.. قلب قلب قلب مصر/ في ذكرى يوم مولدك/ بنؤيدك/ يا أيها المصري العظيم/ وبنوعدك/ مهما غبت/ حنوجدك/ ومهما مت/ مصر ح ترجع/ مرة تانية/ تولدك".


استسلم بعد تلك الفترة صلاح جاهين للمرض الذي كان يعانيه طوال حياته، فسافر إلى موسكو لمدة 5 أشهر للعلاج، وتقول زوجته منى قطان عنه في فترة ما بعد رحيل عبد الناصر: "ظل يكتب الإعلانات طوال حياته بسهولة ويسر، وكأنه يتخلص من التوتر الذهني الذي كان يلازمه، من خلال اللعب في عالم الإعلانات البسيط، وإذا به يجد نفسه بعد كل هذه الرحلة وكل هذه المعارك أمام تيارات تنبذ فكرة الفن، وتحقر من شأن الفنان. كان صلاح قد توقف عن تناول المسكنات التي تساعده على الاستمرار إلى جانب تصوره أنه فقد قدرته الخلاقة".


وعندما كان يسأل صلاح جاهين عن أجمل فترات عمره كان يقول إنها الفترة ما بين عامي 1963 و1967، ويضيف عما جاء بعد ذلك قائلا: "فيه عشر سنين من 1973 إلى 1983 مش عارف.. الظاهر الواحد كان مغمى عليه أو في فترة غيبوبة".
الجريدة الرسمية