رئيس التحرير
عصام كامل

في رحاب صاحبة الجلالة كانت لنا أيام (2)

في مسيرة الأفراد كما في تاريخ الدول والشعوب محطات لا تنسى، ووقائع محفورة في الذاكرة تستعصي على النسيان.. فهل تعرف الأجيال الجديدة من شباب الصحفيين أن “الأهرام” كان معروضًا للبيع في بداية عام 1956 وكان من بين الذين تقدموا لشرائه دار التحرير (الجمهورية) لكن الصفقة توقفت لخلاف على الثمن!  


وفي مسيرة الجمهورية (الجريدة) ما يستحق أن يروى ليكون حافزًا للنجاح، فرغم أنها كانت ابنة الثورة المعبرة عن أفكارها وطموحاتها وتوجهاتها، لكنها اختطت لنفسها مسارًا شعبويًا جعلها لسان حال الناس البسطاء؛ حتى صارت بالفعل صوتًا للشعب ومدافعًا عن قضاياه.. 

تتحسس نبضه، وتستشرف طموحاته وتلبي احتياجاته وتتبنى مطالبه وشكاواه لتضعها بين أيدي المسئولين حتى ارتقت يومًا أعلى درجات المجد بتوزيع قارب المليون نسخة، وهو رقم لو تعلمون ضخم وعظيم، يفوق توزيع جميع صحفنا ومجلاتنا اليوم مجتمعةً.

الدفاع عن الشعوب المستضعفة

“الجمهورية” ناضلت ضد الاستعمار ومدت يد العون لحركات التحرر الوطني في سائر قارات الدنيا، وقاومت القوى الإمبريالية وتكتلاتها وانحيازاتها الظالمة ضد الشعوب المستضعفة، ودعت إلى سياسية عدم الانحياز، وروجت للمبادئ الاشتراكية التي لجأت إليها  مصر منذ عام 1960.. 

 

كما دافعت باستماتة عن حق شعب فلسطين وقضيته التي هي قضية العرب المركزية منذ نشأة هذا الكيان المحتل على أراضيهم، وهى القضية التي عادت اليوم للأضواء في زخم دولى وصل إلى حد تصويت 143 دولة لصالح عضوية فلسطين بالأمم، أتبعته مصر بالانضمام إلى دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة..

 

وهو ما يبعث قضية فلسطين من مرقدها في ظل ما تمارسه قوات الاحتلال من جرائم وحشية ضد الفلسطينيين في القطاع والضفة تحت بصر وسمع العالم الذي تحركت شعوبه لاسيما في الغرب لنصرة غزة بينما غضت حكوماته الطرف عما ترتكبه تل أبيب من تدمير وتخريب وقتل وحشي لا مثيل له.

رسالة طفلة للرئيس نيكسون

ولا ننسى ما حدث في عام 1969 حين وجهت الطفلة نجلاء هدايت حلمي رسالة للرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون تروي فيها قصة استشهاد والدها الطيار بسبب العدوان الإسرائيلي الغاشم في يونيو 1967، وكان أبوها هو الذي قاد طائرة نيكسون خلال زيارته لمصر قبل أن يصبح رئيسًا لأمريكا.. 

 

وهي القصة التي تابعتها بشغف وكالات الأنباء والصحف العالمية، نقلًا عن "الجمهورية" التي خاضت كغيرها من الصحف غمار المنافسة الشرسة مع الصحافة الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي التي سحبت البساط من تحت أقدام الصحافة المطبوعة بصورة غير مسبوقة.


"الجمهورية" جريدة لها طابع شعبي يركز على اهتمامات القارئ وهمومه، وإشباع  نهمه في معرفة ما يجري حوله من أحداث، ذلك أنها انتقلت بقدرة مدهشة من جريدة للثورة إلى جريدة للشعب تدافع عن حقوقه وتتبنى قضاياه وتخاطب جمهورًا عريضًا في مساحته العددية والمكانية والحضارية؛ جمهورًا متنوعًا يجد ضالته المنشودة على صفحاتها وفي أبوابها المختلفة..

 

ولم تخل صفحاتها من جوانب إنسانية وعطاء وتكافل عاصرتها وشاركت فيها يومًا ما بنفسي بعقد توأمة بينها وبين وزارة التضامن لرعاية الأسر الأكثر احتياجا.

تطوير الصحافة الورقية والالكترونية


وكانت "الجمهورية" من أوائل الصحف القومية التي أنشأت بوابة إلكترونية، كما سبقت كل الصحف كل الصحف بالخط الساخن (139 جمهوية) الذي شرفت بالإشراف عليه وحقق نجاحًا جماهيريًا منقطع النظير.. ولا أدرى أين ذهب.. ومن الذي فرط فيه.. ولماذا لا تتم محاسبته؟!


وليس ذلك وحده على أهميته كافيًا لنجاحها ما لم تكن الصحيفة جديرة بثقة القارئ وملبية لاحتياجاته والتفاعل معه.. وتلك رسالة صحافتنا كلها حتى لا تتراجع مكانتها بصفة عامة؛ فرسالة الصحافة الحقيقية هي التنوير وإيقاظ الوعي ومن ثم ينبغي عليها أن تكون متجددة وديناميكية تضيف للناس ما يغير واقعهم ويملأ فراغهم الذي تسبب فيه للأسف ضعف تأثير الأحزاب السياسية والنخب المختلفة في المجال العام.

 

الصحافة سواء أكانت ورقية أم إلكترونية فإنها لو التزمت دورها الحقيقي لعمت الفائدة وتحسنت أحوالها كثيرًا؛ ليس بالتركيز فقط على تطوير النسخ الورقية التي لا تزال موجودة بحكم الواقع ولكن بالتركيز على جوانب أخرى تعمل على توظيف الذكاء الاصطناعي والسوشيال ميديا وصحافة القاريء.. 

 

ولا يعنى ذلك أن الصحافة الورقية انتهى عصرها؛ فهي لا تزال نابضة بالحياة وقوة التأثير في دول كبرى؛ مثل الهند التي لا تزال صحفها الورقية توزع نحو  310 ملايين نسخة يوميا.. ونادرًا ما تجد منزلا في الهند ليس لديه اشتراك في إحدى الصحف بفعل قوة تلك الصحف وحيوية دورها وجاذبية محتواها.. 

 

 

وهو ما يعنى أن علينا أن نبذل جهدًا مضاعفًا لاستعادة أمجاد الصحف المطبوعة بجذب شرائح جديدة من الشباب على طريقتهم وليس على طريقة زمن ولى ولم يعد يناسب جيل السوشيال ميديا.. صدقونى لسه الأماني ممكنة.. لكن هل نحن مستعدون لاستعادتها وتحقيقها.. فلماذا لا تستعين الصحف بكليات الإعلام لإثراء تجربتها وتطوير أدواتا وزيادة انتشارها؟!

الجريدة الرسمية