رئيس التحرير
عصام كامل

بين القبيلة والدولة الوطنية

حالة من الجدل الوطني انتشرت على السوشيال ميديا في أعقاب إعلان تشكيل اتحاد للقبائل في عموم مصر وفيها يظهر وعي الأمة المصرية واستشعارهم الخطر، حتي وإن لم يتبدل في اللحظة الراهنة، خاصة حينما يعلو أشخاص فجأة بلا سابق تاريخ، ثم إن هناك قواعد صارمة عند تشكيل الأحزاب والجمعيات الأهلية تمنع التمييز على أساس الدين أو العرق أو الطائفة وتلك بديهية. 

 

ثم إن مرحلة القبيلة قد تجاوزها الزمن بفكرة المواطنة والدولة المدنية، ولاتزال في الذهن أحداث الكارثة التي شهدتها مصر عندما سكتت عن جماعة الإخوان سنوات فكانت شوكة في ظهر الأمة، صحيح أنه تم القضاء عليها ولكن الثمن كان غاليا، ولا فرق بينها وبين أي جماعة أخري تقوم بعيدا عن فكرة المواطنة.. 

 

ومع الأسف هذه الظاهرة مع الأيام شكلت ثقافة خطيرة أدت إلى ارتفاع الانتماء الفرعي على حساب الانتماء الأصلي الوطني، ويذهب عدد غير قليل من الباحثين إلى أن القبيلة لا ينبغي أن تدخل العملية السياسية كقبيلة باعتبار أن التكتّل القبلي قادر على الحشد والتأثير في قطاعات واسعة من الشّعب وتغيير خريطة القوى على أسس غير ديمقراطية، مما يعطّل الممارسة الديمقراطية ويُبعدها عن تحقيق أهدافها.

 
والأوطان التي تأرجحت في وسط السلم، لا هي إلى الدولة انتمت، ولا في القبيلة بقيت، ستبقى هناك في وسط السلم، وتتكاثر حولها السلبيات، وتنتعش المحسوبيات، ويضرب عرض الحائط بالقانون حيث يفترض في القانون أن يتعامل مع الناس على قدم المساواة، وليس بناءً على الخلفيات الاجتماعية والدينية والطبقية والطائفية، والمخاوف أن كل المجتمع سوف يصل إلى قناعة ويقول: “أنا لا أستطيع أن آخذ حقي من خلال القانون وإنما من خلال اتكائي على انتمائي الفرعي”..

 

وهو مايعرض أمن البلاد إلى مغامرات، فبمجرد أن يشعر المواطن بأن حقوقه غير مكفولة وأن التنافس الطبيعي غير موجود، وأن المساواة منعدمة، يسحب ولاءه ويلجأ الى فئته أو قبيلته أو طائفته، بالتالي تصبح القبيلة هي التي تحمي المواطن حتى من تطبيق القانون.. 

 

ومن أدرانا ألا يفكر الصعايدة في اتحاد، وأهل بحري في اتجاه مماثل، وينقسم الوطن ببساطة ذلك لأن القبلية تتناقض مع مفهوم الدولة، وكلما ارتفع صوت القبلية انخفض صوت الدولة وأصبحت القبيلة هى الملجأ والملاذ وليست الدولة ودستورها وأجهزتها القائمة على حفظ سيادتها وتطبيق قوانينها.

 
والغريب في الأمر أن كثيرا من المجتمعات العربية من المحيط إلى الخليج هي في حالة التطور، وهي الانتقال من حالة القبيلة إلى حالة الدولة ذلك لأن حشد  تجمعات ما قبل الدولة في المناطق العربية (القبلية والطائفية) هما أساس تعطيل قيام الدولة المدنية الحديثة، والتي نتج منها قصور تطبيقها للقانون، وغدت مصدرًا للشقاق الاجتماعي الداخلي. كما يحدث في لبنان والعراق واليمن وسوريا.

 


والأمر هكذا فإن وجود هذا الاتحاد وامتداده ليمثل كل القبائل العربية في بر مصر، وهي تمثل تقريبا نصف المجتمع المصري، سيخلق أزمة هوية جديدة بين مصريين أصليين ومصريين متمصرين على طريقة العرب العاربة والعرب المستعربة، والأمر المؤكد أننا لم نكن في حاجة لمثل هذا الجدل الذي يعيدنا لسنوات قبيل فكرة الدولة المدنية، لو كانت لدينا أحزاب فاعلة ونقابات نشطة ومجالس محلية منتخبة تملأ الفراغ الكبير في الشارع السياسي.

الجريدة الرسمية