رئيس التحرير
عصام كامل

حصاد الحرب فى السودان.. موجات لجوء وأضرار بالجملة.. نصيب مصر من الأزمة السودانية.. حدود مشتركة وجالية ضخمة ومصالح اقتصادية مهددة بسبب الأوضاع الأمنية والاجتماعية

الحرب فى السودان،فيتو
الحرب فى السودان،فيتو

وكأنه كابوس مرعب، من يتخيل أن الصراع الدموى فى السودان أكمل عامه الأول، ودون أي إنجاز يذكر، عام كامل ترك الكثير من المآسي والقصص المروعة التى أنتجتها المعارك الدامية بين الجيش السودانى بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان، وما تعرف باسم قوات الدعم السريع، التى يقودها محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتى».

الكر والفر بين الفرقاء، دماء الضحايا المدنيين فى الطرقات، أصبحت عناوين ثابتة فى وسائل الإعلام المحلية والعالمية والعربية على مدار 365 يوما، ورغم دخول قوى إقليمية ودولية على خط الأزمة على أمل تقريب وجهات النظر بين المختلفين ما زالت الأزمة مشتعلة ولا يوجد فى نهاية النفق المظلم ضوء شمعة يوحى بالخروج من المجهول.

وانتشرت المجاعات وتحدثت تقارير عن حوادث اغتصاب، وغيرها من ما يشيب له الولدان، حيث تحول السودان بين ليلة وضحاها إلى مسرح عمليات دولية، ميليشيات إقليمية، وقوات من فاجنر الروسية تقاتل إلى جانب الدعم السريع، وتسريبات استخبارات تزعم تواجد عناصر أوكرانية تدعم الجيش أمام فاجنر مكايدة فى روسيا.

تاهت الحقيقة وسط شلال الدم، وغاب صوت العقل فى ظل ارتفاع صوت الرصاص وأزيز المسيرات التى تطوف أجواء الدولة بحثا عن الأهداف، وبعيدا عن غرف الحكم وخنادق القتال يتجرع الشعب مرارة التهجير القسرى وترك وطنه بحثا عن الأمان فى دول الجوار.

ترصد “فيتو” فى الملف التالى تفاصيل الأزمة، وتوقعات الخبراء لما هو قادم، خاصة أن مصر بطبيعة موقعها المجاور للوطن الملتهب بنيران الحرائق فى الجنوب تدفع ثمنا باهظا فى الأزمة.

 

عام كامل دفع خلاله السودان ثمنا صعبا من الخسائر البشرية والمادية منذ اندلاع الأزمة فى منتصف أبريل 2023، والتى وضعت البلاد على حافة الهاوية وتسببت فى أكبر أزمة إنسانية فى العالم وحرب أهلية ونزوح عدد كبير جدًا من المواطنين داخل وخارج البلاد.

وانتشرت الأمراض والأوبئة والمجاعات، إضافة إلى انهيار اقتصادى تام ومقتل عدد كبير من المواطنين السودانيين تخطى أكثر من 13 ألف قتيل، وبلغ عدد النازحين فى 9 ولايات أكثر من 11 مليون نازح، وفر نحو 8.1 مليون شخص من منازلهم فى السودان، 6.3 مليون داخل البلاد و1.8 مليون فروا إلى خارجها حسب بيان المكتب الأممى، وفقًا لحكومة السودان.

يقول السفير صلاح حليمة نائب رئيس المجلس المصرى للشئون الأفريقية، إن الصراع الدائر فى السودان يدور حول السلطة والثروة والسيطرة والنفوذ، ليس فقط بين مكونات المؤسسة العسكرية السودانية، وإنما أيضًا داخل المجتمع السودانى بما فيه من قوى وأحزاب سياسية وأطياف.

وأوضح أن التشكيلة السكانية للسودان قبلية واسمية بين مكونين رئيسيين أحدهما المزارعون والآخر الرُّحَّل، عرب وغير عرب، وللأسف الشديد هذا الصراع يلقى نوعا من الدعم من جانب قوى إقليمية ودولية فى مواجهة ومساندة طرف ضد آخر ما يزيد من حدة الصراع.

وتابع: بعض الأطراف فى القوى الإقليمية مثل جنوب كردفان والنيل الأزرق وشرق السودان لها توجهات ذات نزاعات استقلالية، وتطالب بحكم ذاتى واسع وحق تقرير المصير، ما يعمق من حدة الصراع، إذا لم يحدث توافق بين كافة هذه القوى سواء كانت على المستوى المدنى أو العسكرى.

وأشار السفير حليمة إلى أن الوضع القائم يهدد السودان بالتفتيت والتقسيم ويدفع مزيدا من اللاجئين والنازحين إلى دول الجوار، وهو ما حدث بالفعل على مدى العام المنصرم.

وتابع: بجانب ذلك، التفتيت والتقسيم له تداعيات سلبية، موضحا أن تعدد الدويلات التى يمكن أن تنشأ عن هذا التقسيم تخلق بالتبعية اتجاهات وأوضاع أمنية غير مستقرة ما يضيع فرص عمليات التطوير والتحديث والإصلاح.

ولفت إلى أهمية المبادرات الدولية، مثل التى تبناها المجلس المصرى للشئون الخارجية والتى تدعو إلى مواجهة التحديات التى سبق الإشارة إليها من خلال توافق بين كافة القوى المدنية وإيجاد نوع من الحل للصراع العسكرى من حوار سودانى يمتلك فيه السودانيون رؤية للعملية السياسية ويكون بمنزلة مؤتمر جامع للقوى والأحزاب ومكونات المجتمع السودانى للتوصل إلى توافق حول السلطة الانتقالية ومعالجة القضية السودانية من جذورها وإعادة البناء والإعمار.

وأوضح أن المسار العسكرى يحافظ على الجيش كمؤسسة مهنية قومية تجسد مكونات المجتمع السودانى مع دمج قوات الدعم السريع إما فى القوات المسلحة أو الشرطة.

وأوضح أن إيجاد مسار سياسى هو بوابة التوافق على تشكيل حكومة كفاءات مدنية وهياكل سلطة انتقالية لإجراء انتخابات حرة ونزيهة يتم فيها الاحتكام إلى صندوق الانتخابات.

وعن إعادة البناء والإعمار، أكد أهمية عقد مؤتمر دولى لإعادة الإعمار، يكون هناك دور لمصر بشكل خاص بحكم العلاقات المتميزة بين البلدين.

ومن جانبه قال أحمد المفتى، أستاذ القانون الدولى والعضو السابق فى وفد الخرطوم بمفاوضات حوض النيل، إن تأثير الأزمة السودانية على مصر ضخم جدا من الناحية الاستراتيجية والأمنية وكذلك الدبلوماسية، وكل ذلك لأسباب عدة تتلخص فى الحدود المشتركة ووجود جالية سودانية ضخمة فى مصر، إضافة إلى المصالح الاقتصادية المتبادلة التى تتزايد مع تضخم النمو السكانى، بخلاف التمازج السكانى بسبب اللغة والدين والتاريخ المشترك.

وتابع: ولكن للأسف الشديد لم يفطن المسئولون الدوليون والإقليميون مثل الاتحاد الأفريقى والإيجاد والأمم المتحدة ومنبر جدة والترويكا أمريكا وبريطانيا والنرويج والاتحاد الأوروبى إلى تلك الأبعاد منذ بداية الأزمة كما لم يفطنوا إلى خبرة مصر الطويلة فى الشئون السودانية التى لا تدانيها خبرة أي جهة من الجهات الأخرى.

واستكمل: ما لم يتم احترام دور مصر كلاعب رئيسى فى الخطوات القادمة، لن يكتب لها النجاح، لافتا إلى أن القاهرة استعدت تماما للعب دور فاعل من دون الدخول فى أي مواجهات مع أحد.

 

 

الجريدة الرسمية