رئيس التحرير
عصام كامل

عبد العزيز البشري، جاحظ العصر الحديث يتحدث عن رمضان: راحة للأبدان والنفوس.. وامتحان للمؤمنين في طاعة الله وتعويدهم على الصبر

الشيخ عبد العزيز
الشيخ عبد العزيز البشرى

في كتابه "قطوف" وعن تغير أحوال الناس في عاداتهم حتى انعكس ذلك على طقوس وعادات شهر رمضان كتب الكاتب الساخر الشيخ عبد العزيز البشري، الذي رحل في مثل هذا اليوم عام 1943 ولقب بجاحظ العصر الحديث، وتميزت كتاباته بالسخرية من الأوضاع، ويقول في مقال يجمع بين الجد والهزل وكأنه كان يقصد المقارنة بين ما كان في سابق الزمان، وبين ما صارت إليه ليالي رمضان في زمنه فيقول: 


للمصريين احتفال خاص بشهر رمضان، فكان المرء لا يخوض شارع أو درب أو زقاق في القاهرة، أو سائر حواجز البلاد إلا ويسمع القرآن الكريم يتناوله القارئون من كل ناحية، والبيوت مضاءة بالقناديل، فهو شهر خفيف الروح ينتظره العامة والخاصة كل عام بشوق كبير.

قطايف رمضان، حكاية البشري مع الوليمة ووجه الحمار

عصر الغاز والكهرباء

فلما طغى سيل الحضارة وطغى عصر الغاز والكهرباء انقلب حال البلاد والعباد في شهر رمضان، فاتخذ علية القوم لسهرهم الأندية بدل الدوائر، وآثر بعضهم قضاء الليل في القهوات، ولولا فضل ماركونى مخترع الراديو لعد ناشئة هذا الجيل قراءة القرآن وارتفاع أصوات الاذان أثرا من الآثار التى تولى بها الزمان.

عبد العزيز البشرى يتذكر مجريات القدر فى رمضان

استراحة الأبدان والنفوس 

ولعل من أظهر الحكم في فرض الصيام على الناس في شهر رمضان من الأعم أمورًا؛ منها أخذ النفس بالشدة ورياضتها على الصبر على المكروه، وفى هذا استراحة للابدان والنفوس.. لكن ما يؤلمني هذا العام أن يجيء علينا شهر رمضان عواء الصفارة إيذانًا بمقدم الغارة، وهذا ما صنعته الحرب (يقصد الحرب العالمية الثانية بين الحلفاء والمحور).

الشيخ عبد العزيز البشرى 

غير أننا لا ينبغي أن نبتئس بمجرى القدر في هذا الشهر الكريم، رمضان، فهو شهر الصيام، والصيام كف النفس عن الطعام والشراب، وفي ذلك امتحان للمؤمنين لمبلغ جهدهم واحتمالهم في طاعة الله وتعويدهم الصبر على المشاق في هذه الحياة، فلا يفسدهم طول الترف والتقلب في المناعم والاسترسال في معاطاة اللذائذ، فإن هذا العيش أدعى إلى تكسر النفوس واسترخاء العزائم وعدم القدرة على احتمال الشدائد.

الشيخ عبد العزيز البشرى 

ونحن زيادة على الشرف والاستقلال والحرية قد نلق المشاق، وأكثر من المشاق، فمن الخير لنا لو تدبرنا، أن نمرن النفس من الآن فى خوض المشاق ومعاناة الشدائد فى الحروب حتى إذا كان يوم الردع لا أذن الله، لاقيناه فى رشد وعزم وصدق يقين
أدركنا شهر رمضان وأهل مصر يستصبحون بالشمع، إلى أن طغى عليه اتخاذ الكيروسين، ثم نحن هؤلاء اليوم نستضئ بالكيروسين وبالغاز وبالكهرباء، فكيف كان حظ رمضان من الأضواء والأنوار في ذلك الزمان، وكيف كان حظه منها الآن.

عبد العزيز البشري: قطوف من رمضان

حال القاهرة والأسكندرية 

لقد كانت القاهرة والأسكندرية وسواهما من الحواضر الكبرى إذا جن الليل في رمضان كتلة من النور، النور في أفنية الدور، وفى غرفها وحجراتها وعلى رؤوس الأبواب، ثم في الشوارع من المصابيح العامة، ومن المصابيح التي يضطرب بها الأولاد صبية وصبايا، وأولئك يغنون "يا ورد في السوق وباعوك " وهؤلاء يغنين " وحوي يا وحوب..اياحة، بنت السلطان إياحة، لابسة القفطان..الخ ".


ولاتنس أن السيدات كن إذا برزن إلى الطريق في رمضان لزيارة الأهل والصديقات سعين وبين أيديهن الخدم يحملون المصابيح الكبيرة يتألق كل منها بطائفة من الشموع، فتزيد الطريق نورًا على نور.

عبد العزيز البشري يكتب: تقاليد رمضان الطيبة

ترتيل القرآن في المساجد 

أما نوافذ المناظر في شهر رمضان فمفتحة تنبعث منها نور المصابيح، كما ينبعث منها النور الأعظم.. أعني ترتيل القرآن الكريم، ولا تنس حظ المساجد الكبيرة -على وجه خاص- من ذلك النور والإشراق فى طرفى الليل جميعًا. 

رمضان في الليل 

وختم الشيخ عبد العزيز البشري: ففي شهر رمضان وفي صدر الليل صلاة العشاء، ثم صلاة التراويح، ثم تلك الأناشيد البديعة التي يتغنى بها المؤذنون فرادى وجماعات، فإذا كان السحر فتحت أبواب المساجد وأضيئت فيها الثريات، وأقبل عليها الناس بعد الفراغ من سحورهم، فانتظموا فى حلق يستمعون الى دروس العلماء في تفسير كتاب الله، وفي حديث رسول الله وفي أحكام الشرع الحكيم، حتى إذا قال العلماء "والله أعلم " إيذانًا بختام الدرس، أسرع الناس فانتظموا صفوفًا، مولين وجوههم شطر الدكة في بهرة المسجد، ليسمعوا صوت أشهر القراء بالحي وكذلك المنشدين.

من رواد المقاهي والصالونات 

ولد الشيخ عبد العزيز البشري بالقاهرة عام 1886، نشأ في أسرة متدينة فقد كان أبوه سليم البشري شيخ الجامع الأزهر، درس بالأزهر، وشغل بعد تخرجه في   مناصب كثيرة، فقد شغل منصب أمين السر العام في وزارة الأوقاف، وعمل في وزارة المعارف ثم نقل إلى القضاء الشرعي في بعض الأقاليم المصرية، واختير عضوًا بمجمع اللغة العربية، وشغل منصب مدير المطبوعات، كان البشري ظريفًا يميل إلى الدعابة والفكاهة، مع سخرية لاذعة عنيفة أحيانًا، وكان البشري من رواد المقاهي الثقافية والصالونات الأدبية، عرف عنه خفة الروح ودماثة الخلق وعرف بشيخ الساخرين.

 ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار، أسعار اليورو، أسعار العملات، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار الاقتصاد، أخبار المحافظات، أخبار السياسة، أخبار الحوادث، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي، الدوري الإيطالي، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا، دوري أبطال أفريقيا، دوري أبطال آسيا، والأحداث الهامة والسياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية

الجريدة الرسمية