رئيس التحرير
عصام كامل

جنون الأسعار عرض مستمر.. الفاتورة السوداء.. خبراء علم نفس: زيادة الأسعار تدفع الفقراء للإحباط والاكتئاب والانتحار.. وأساتذة علم الاجتماع: الانتماء للوطن فى خطر

سلع غذائية
سلع غذائية

لا أحد يدفع ثمن التضخم مثل الفقراء والبسطاء ومحدودى الدخل، أو بالتعبير الدارج «الغلابة»، يؤدى ارتفاع الأسعار إلى تفاقم الأزمات فى حياتهم بصورة كارثية، بل يصبح بالنسبة لهم هو الجحيم بعينه.

يدهس الغلاء الناجم عن التضخم هؤلاء الذين يعيشون على حد الكفاف، يؤدى إلى خفض الحد الأدنى الحقيقى للأجور، ويخفض مستوى المعيشة بشكل مرعب، خاصة أنهم يعملون فى الغالب بوظائف لا تعدل الدخل مراعاة لهذه الأزمات.

يلتهم التضخم ميزانيات الأسر الفقيرة، ويزحف إلى أبناء الطبقة الوسطى أيضا، الذين تتكالب عليهم تكاليف ضروريات الحياة، ما يعرض أمنهم الغذائى إلى أخطار غير مسبوقة.

كما يؤدى التضخم المرتفع إلى زيادة رقعة الفقر، ويُسقط المزيد من أسر الطبقة الوسطى فى هذا البئر السحيق، وتقل جودة الحياة، ويصبح الغذاء الضرورى بنظام صحى من مستحيلات الواقع، وينحصر كفاح هؤلاء فى كيفية الحصول على طعام يبقيهم على قيد الحياة، بما لذلك من تداعيات مؤلمة على نقص وسوء التغذية، فالأم الحامل يضر التضخم بنمو طفلها ويقل وزنه عند الولادة، ويترجم ذلك إلى انخفاض فى متوسط العمر المتوقع للطفل.

وإذا أفلت الطفل من هذا الواقع، فإن سوء التغذية لن يتركه، وسيعانى لاحقا من ضعف القدرات الإدراكية التى تعيق التعلم والأداء المدرسي، مما يؤثر على نوعية حياة الطفل فى المستقبل.

كما أن الطفل الذى ينشأ وهو يعانى من سوء التغذية فى فقر مدقع، سيكافح عندما يكبر من أجل البقاء فقط، مما يزيد من احتمال بقاء الأسر محاصرة فى دائرة الفقر لأجيال، وللتحذير من كل هذا كان هذا الملف من «فيتو».

يدق علماء النفس والاجتماع ناقوس الخطر، بسبب الغلاء وتأثيره النفسى والمجتمعى على الفقراء ومحدودى الدخل، فالغلاء يتسبب فى زيادة القلق والإحباط، ويسبب الاكتئاب، ما يضاعف من معدلات الجريمة فى المجتمع إثر تآكل الشعور بعدم التقدير والانتماء.

وعن التأثير النفسى للغلاء على الفقراء، يقول الدكتور مصطفى الديب، استشاري الصحة النفسية، إن الغلاء يؤدى لعدد من المشكلات النفسية، أبرزها القلق والاكتئاب والإحباط، وهذا الأمر ذو أهمية كبيرة جدًا لقطاع ليس بالقليل، ليس على مستوى مصر والمجتمعات العربية، بل فى العالم أجمع، موضحا أن التأثير النفسى على الأفراد والجماعات بالنسبة لغلاء المعيشة، يؤدى إلى فجوة صعبة بين احتياجات الفرد الجسمانية والمادية والنفسية.

وتابع الدكتور مصطفى الديب قائلًا: “الفجوة بين الاحتياج النفسى والمادى عندما تزداد، يحدث للإنسان إحباط، ويؤدى إلى عوامل قلق، تتمثل فى الخوف من المستقبل، وعلى الأبناء والصحة العامة”.

واستكمل: يدفع الغلاء الفقراء إلى الخوف من عدم القدرة على التطور أو التعلم، فالإنسان حينما لا يستطيع أن يوفى احتياجاته بما يمكنه من العيش أفضل يشعر بانعدام الرغبة فى المستقبل، بعد أن سربت إليه صورة سلبية عن قيمة وحب الحياة والتطلع والطموح والتطور.

وأضاف: تسود المشاحنات والتوتر وتتزايد مشاعر الخوف وترتفع معدلات الجريمة، بسبب عدم تحكم الإنسان فى انفعالاته مع الآخرين كما تزيد معدلات الطلاق، بسبب عدم قدرة الزوج على تلبية احتياجات منزله وأبنائه من الناحية التعليمية وغيرها.

تابع: الأطفال الذين يولدون فى أسرة مليئة بالمشاحنات والتوتر والخوف والقلق والهلع والوساوس من المستقبل، تدمر صحتهم النفسية، ولن يستطيعوا التعايش مع مجتمع يعتمد على المادية.

وعن تأثير الغلاء على الفقراء ومحدودى الدخل من الناحية الاجتماعية يقول الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسى بالجامعة المصرية اليابانية، إن الوجه الآخر للفقر ينعكس على تخفيض الأموال الموجهة للترفيه والتعليم بخلاف خلق مشكلات صحية من جراء عدم قدرة الناس على التغذية بشكل سليم، ما يزيد من فاتورة الأدوية.

أضاف: يدفع الأبناء فاتورة الغلاء أكثر من غيرهم، وتزيد معدل الأمية فى البلد، والمثير أن الفقير يصب غضبه على الفقير مثله، وليس الأغنياء المحصنين فى “الكمباوندات” التى لن يتمكن من الوصول إليها، فتزيد معدلات الجرائم المجتمعية بين الفقراء، ويزيد معدلات السرقة والقتل، وتشتعل الاضطرابات المجتمعية.

أما على مستوى الطبقة المتوسطة، رمانة ميزان المجتمع، أكد سعيد صادق أنها ستتآكل، والدليل أن معدلات الفقر فى مصر زادت أكثر من 60%، فالطبقة المتوسطة هم الأطباء والمعلمين والمثقفين وغيرهم، وانحدار هذه الطبقة يؤدى إلى هجرة هذه العقول والكفاءات إلى الخارج.

وأكد الدكتور سعيد أن ثقافة التسول ستنتشر فى المجتمع، وذلك يبدو واضحًا من ترك الحكومة المتسولين فى الشوارع، خوفًا من اشتعال الأمور، بسبب زيادة الغلاء وزيادة معدلات الفقر، ما يزيد من انحدار وتدهور المجتمع.

وقال الدكتور سعيد صادق: «الغلاء سيكون له تأثير سيئ على الانتماء للوطن  متسائلًا: “كيف يكون هناك انتماء لوطن لا يريدنى؟»، مردفا: «ومن الناحية الأمنية يمكن لأى شخص أن يشترى غير المنتمين للوطن، وبالتالى يتم تنفيذ أمور تجسس أو تخريب، ويمكن أن يحدث إرهاب».

وأضاف سعيد صادق أن “الشخص غير المنتمى للوطن يمكن أن ينشر الإحباط بين فئات المجتمع، فعندما يكون غير مُقدَّر فى وطنه، ويصعب عليه تحقيق ذاته، يشعر أن المجتمع يلفظه يبحث فورا عن مجتمع آخر يقدره”.

 

الجريدة الرسمية