رئيس التحرير
عصام كامل

شئ من الدم قبل أن يراق الدم -النسخة 2

عنوان المقال، للأمانة المهنية الاخلاقية ليس جديدا، بل هو قديم قدم الشريط المرعب الذي سبق اليوم الأسود الخامس والعشرين من يناير المؤامرة عام 2011، وقد زدت عليه تعبير النسخة الثانية هنا، لأن من الضرورى أن ينبه الكاتب قراءه ويضع أمام صاحب القرار نبض الرأي العام، وهو نبض شديد التوتر، شديد الاحتقان، شديد الحيرة.


لم تكن الأجهزة الأمنية بأذرعها المختلفة غائبة عما يجرى الإعداد له خارج مصر وداخل مصر لاسقاط مصر، بالعكس، كانت موجودة، وكان منهم من تابع مدارس صربيا للتغيير السلمي وفي تلك المدارس كان مذيعون لايزالون علي الشاشات مكرمون راسخون مضللون!


كانت المعلومات متوفرة، عن الغليان الداخلى وعن التدبير الخارجي، وهو غليان للحق لم تكن دواعيه اقتصادية، أو مالية، بقدر ما كانت محرضاته سياسية وأجنبية، لكن القرار السياسي الحاسم غاب عن الحركة، وباتت التفاعلات في نمو وتعملقت فتوحشت وخرجت عن السيطرة.. 

 

وكان تقدير الاجهزة السيادية والأمنية وقتها أن احتشاد مئات الألوف في ميدان التحرير لن يتجاوز الأربع والعشرين ساعة، غير أنهم فوجئوا بالاعتصام وعدم المغادرة مما أرهق قوات الأمن وشتت جهودها وصفوفها..


لماذا أعيد الأن هذا الكلام الحريق الذي عشناه جميعا واكتوينا بنيرانه؟ أعيده لأننى حين كتبت في جريدة الحزب (الوطنى اليوم وكنت رئيس تحريرها) قبل حريق الخامس والعشرين من يناير. مقالا بعنوان (شئ من الدم قبل أن يراق الدم) كان إحساس الكاتب أن التداعى بدأ، وأن التسخيط بلغ مداه..

 

وللمفارقة فإن الوضع مماثل الآن تقريبا، مع فارق مرعب مخيف هو أن التسخيط من الخارج ليس بقوة التسخيط من الداخل، وللأسف الشديد بسبب الحكومة وقراراتها وحالة التوحش في الغلاء.
نقول للمرة الثانية أن هنالك حالة غليان، آشبه بغليان المفاعلات النووية، ولابد من التبريد، لأن الانفجار لو وقع، لا قدر الله غرقنا جميعا بلاعودة.


لا يمكن لأحد اتهام هذا القلم بأنه يبالغ أو محسوب علي غير مصر حبيبته، ولهذا ومن أجل وطنى أنقل لصانع القرار الحقيقة وأحثه كمواطن على التعجيل بالعلاج للتهدئة، ومن المؤكد أنه يعلمها، ومن الثابت الراسخ أن الأجهزة ترفع تقاريرها وتقديراتها والاحتمالات شتى، والثابت الراسخ أن صانع القرار يقرأها، ويعلم ما فيها.. لكن ما هو رد الفعل؟


البطء هو القاتل الصامت، الاعتماد على صبر الناس وهم، تأخر الرئيس مبارك رحمه الله، في تبريد الشارع بقرارات فورية تدحض فكرة التوريث، وتغيير الحكومة وعزل وجوه مزمنة كرهها الناس، وفك الارتباط بين السلطة والثروة.. بطء القرار لتصحيح هذا كله جعل التصحيح لاحقا بلا قيمة ولا جدوى.. كالدواء بعد فوات الأوان..

 


هذا الإسبوع زادت الأسعار فوق زياداتها اليومية، والناس يضجون، ويسبون الأيام، والأفق ضبابى..
نجحت الحكومة في ابلاغ الناس بوجود أزمة اقتصادية، لكنها لم تعلن للناس ماذا بعد؟ ومتى؟ ناهيك عن محاسبة من أخطأ، وبدد، وجوع الناس؟
شئ من الدم قبل أن يراق الدم.. اللهم احفظ مصر من الغشاوة.. والغشامة.

الجريدة الرسمية