رئيس التحرير
عصام كامل

الغلاء الآثم

لا يوجد شىء أشد ألما من الفقر ولا يوجد شىء أصعب على النفس البشرية من شعورها بالعجز تجاه من تتولى رعايتهم وترعاهم وتدبر شؤنهم من أبناء وذوى رحم، لذا ف الغلاء الأثم الذى يستشرى كل ساعة معربدا في شتى مجالات الحياة هو فيروس البلاء والتعاسة في حياة الناس، ويبدو أنه مستمر في الصعود، بينما حياة الفقراء في هبوط مادى ومعنوى يفضى إلى كوارث لا قبل لنا بها.

مشهد 1

قبل عدة شهور، وفى مدخل مدينة دمنهور، سمعت بكاء ونحيب فتاة سمراء جميلة فى بداية سنين صباها البريء، إلتفت إليها فإذا والدها يربت على كتفها ويحاول إقناعها بأن ما إختاره لها هو الأفضل، لكن البنت يعلو نجيبها أكثر فأكثر.. 

 

الأب المسكين دلت على بؤسه ملابسه البالية، ولم تكن ملابس الفتاة بأحسن  حالا من ملابسه.. لم أشأ أن أتطفل عليهم حتى لا أحرج الأب المسكين، إلا أنه هو من قال لى: بذمتك يا أستاذ مش الدبلوم أحسن لها من الثانوى العام!


فإذا بالإبنة  تقول لى ببراءة شديدة، يا عمو أنا مجموعى 270 من 280، أنا من أوائل المدرسة ولا أريد الدبلوم، عاوزه أدخل كلية.

 

فهمت من الحوار دون توضيح سبب عزوف الأب عن إلحاق إبنته بالتعليم الثانوى العام لضيق ذات اليد، إلا أنه صرح علانية ولكن بكل إنكسار أن قلة المال وضيق الرزق وضعف الدخل لن يمكنه من دفع مصروفات الثانوى وتكلفة الدروس الخصوصية.. 

 

لم أتركه حتى منحت الفتاة المسكينة ضحية الفقر جرعة أمل فقلت لها، بالتأكيد ستدخلين الجامعة من الدبلوم بكل سهولة وستتفوقين على كل أقرانك، وبإذن الله سأرى إسمك من أوائل الدبلومات في المواقع الصحفية، فإبتسمت راضية بالواقع المر الذى كتبته الظروف القاسية عليها.


يا ترى كم من فتاة وشاب ضاع أملهم في حياة أفضل بسبب فقر ظالم جعلهم في أماكن أدنى بكثير من مواهبهم وقدراتهم، وكم من أسى وقهر مكتوم يتوق لساعة فيضان مكبوت في نفوسهم!


مشهد 2

بالأمس على باب إحدى المطاعم الشعبية، أخرج رجل قد ملأ الشعر الأبيض رأسه تماما، عشرة جنيهات من جيبه ويبدو أنها كانت عزيزة عليه لندرة وجود مثلها معه، وطلب من البائع علبة فول وقرطاس طعمية.. 

 

فإذا بالرجل ينهره قائلا، أنت يبدو أنك من القرن الماضى يا حاج، أقل علبة فول بعشرة جنيه وقرصين طعمية بخمسة. يا فول يا طعمية وإحمد ربنا إن علبة الفول مازالت بعشرة فقط!


أخذ الرجل نقوده وخرج يحدث نفسه والإنهزام والإحراج يكسو وجهه المتعب، ذهب إليه أحد الزبائن لمساعدته وعرض عليه نقودا، فشكرة بحزن وإنصرف باكيا ولم يحصل على أدنى طعام يمكن أن يكفله رب أسرة لأبنائه في أى عصر من العصور.

ملايين كثيرة تافهة

في عالم آخر، وفي إحدى قنوات التليفزيون، شاهدت بالصدفة البحتة مذيعا صحيفا يعمل في الأخبار الرياضية بجانب مركزه كعضو فى مجلس الشيوخ، يتحسر على عقد كابتن شيكابالا في الزمالك وأنه فقط 9 ملايين جنيه تافهة في السنة وهى أقل بكثير مما يستحقه هذا النجم لجهوده الجبارة!

 

بينما لاعب آخر إسمه ناصر معه في نفس الفريق عقدة فى اربع سنوات 67 مليون جنيه ولا يؤدى مثله ولا يحرز أهدافا كثيرة تطعم الجماهير وتكسوها وتعلمها وتداويها.. 

 

 

تخيل هذا السفه المتأرجح بين أناس تلعب وتحصد الملايين الفلكية ولا تكفيها ولا تشبع رغباتها، وأناس يضيع مستقبلها لعدم قدرتها على دفع مصاريف الثانوى العام، وآخرون يكسرهم الألم وتتحسر أنفسهم على عدم قدرتهم شراء وجبة فول.. لنا الله
Fotuheng@gmail.com

الجريدة الرسمية