رئيس التحرير
عصام كامل

عمر الخيام.. رباعياته طافت العالم شرقًا وغربًا.. كواليس ترجمة أحمد رامي وغناء أم كلثوم لها.. وتفاصيل اللحظات الأخيرة قبل الوداع

عمر الخيام رسم تخيلي،
عمر الخيام "رسم تخيلي"، فيتو

 يرتبط اسم عمر الخيام –الذي تحل ذكرى وفاته اليوم على الأرجح- عند عموم الناس برباعياته التي ترجمها الشاعر أحمد رامي، وشدت ببعضها كوكب الشرق أم كلثوم، ولكن للرباعيات وصاحبها أبعادًا أكبر من ذلك بكثير؛ فـ"الخيام" لم يكن مجرد شاعر ينظم القوامي ويقرض الشعر، ورباعياته ليس نظمًا محليًا مرتبطًا بزمانه، بل طافت العالم وترجمها الشرق والغرب، ولا تزال معانيها متدفقة ومتجددة حتى الآن..فمن هو عمر الخيام، وما قصة الرباعيات، وما كواليس ترجمتها للغة العربية، وماذا كانت شروط أم كلثوم لغنائها؟

عمر الخيام.. «الموُحد الكافر »

عاش بين نيسابور وسمرقند

 أمَّا عمر الخيام، فاسمه كاملًا هو: غياث الدين أبو الفتوح عمر بن إبراهيم، المعروف بـ"عمر الخيام"؛ نسبة لعمل والده في تجارة الخيام. أبصر "عمر" النور في مايو 1048 ميلاديًا في مدينة نيسابور الفارسية، وعاش معظم حياته بينها وبين سمرقند.

                                                           أم كلثوم وأحمد رامي

 

أقبل "الخيام" مبكرًا على العلوم، وتعددت مشاربه، وصار موسوعة علمية متعددة الأركان، وأصبح عالمًا في الرياضيات والفلك واللغة والفقه والتاريخ. لم يكن الشعر يمثل الأولوية الأهم في حياة "الخيام"، بل كان يأتي في مرحلة متأخرة نسبيًا. ورغم ذلك تحولت رباعياته "العفوية" إلى أيقونة تمددت أصداؤها شرقًا وغربًا، ولا يزال الناس ينقبون في معانيها ويستخرجون من بطونها وثناياها عظيم المعاني والعبرات والعظات.

عامر التوني يقابل صاحب الرباعيات "عمر الخيام" بالسحيمي

رباعيات الخيام كنز من المعاني والألغاز

 إذا نحينا اكتشافات "الخيام" ومنجزاته العلمية الكثير والتي وضعته ضمن مصاف علماء الإسلام الأوائل والكبار، وحياته المرفهة جدًا جانبًا، وألقينا الضوء على الجانب الفلسفي والإبداعي في رباعياته..فسوف نلمس فيها جوانب مهمة وثرية؛ ما أغرى المترجمين من جميع أنحاء العالم يقبلون عليها، ويترجمونها إلى لغاتهم، ويقدر عدد من ترجموا رباعيات الخيام  إلى لغاتهم بمائة شاعر أو يزيدون.

بالصور.. أوبرا "قصة عاشق" دراما عن حياة عمر الخيام

سُميت رباعيات الخيام بهذا الاسم؛ لأنها عبارة عن مقطوعة شعرية بالفارسية، مكونة من أربعة أبيات، كان يتغنى "عمر" بها في أوقات فراغه، أو أثناء انشغاله في علومه وعمله بها، نقلها عنه أصدقاؤه وكل من سمعها في زمانه، ما جعل نسبة الزيادة والنقصان فيها محتملة ومرجحة.

الباحثون والدارسون يرون أن الرباعيات المنسوبة لـ"الخيام"؛ ليست جميعها من نظمه وإنتاجه؛ لا سيما الجزء الخاص باللهو الدنيوي بمفهومه الواسع واللاذع؛ ودليلهم في ذلك وعليه هو أن الرجل كان في الأصل عالمًا جادًا في فنون وعلوم صعبة، وهو ما لا يتماهى مع كثير من الرباعيات المنسوبة إليه.

                                                      رياض السنباطي

 

 القيمة الفنية لرباعيات الخيام –كما أجمع الشعراء والنقاد- ترتكن إلى الرؤية الشمولية للفعل الإنساني، والحفر في الطبقات العميقة من الذات الإنسانية خاصة المتدنية، والقدرة التعبيرية النافذة المؤثرة، لنصبح أمام نص شعري لا وعظي، له قيمته في تاريخ الإبداع الإنساني، وهنا مكمن الحياة والخلود والتجدد في الرباعيات. وفي هذا السياق..أثبتوا أن 82 رباعية على الأقل منسوبة للشاعر الفارسي لم ينظمها، ولا يصح له أن ينظمها.

10 أقوال حسمت الجدل حول شخصية "عمر الخيام"

 ومن الكتاب الذين اعتنوا برباعيات الخيام وترجموها إلى اللغة الإنجليزية الكاتب الأمريكي إدوارد فيتزجيرالد الذي ألّف كتابًا معنونًا بـ"الخيام"، والأرجح أنه لم يلتزم بالنص الأصلي –كما لن يلتزم به أحمد رامي لاحقًا في النسخة المصرية- وأضفى عليها جانبًا من الثقافة الغربية المنفتحة.

 بدا الكاتب الأمريكي مفتونًا بـ"الخيام"، حتى إنه قال: إن كل رباعية تجسد وحدها قصيدة كاملة؛ نظرًا لبلاغتها وثرائها اللغوي والمعرفي. 

تطرق الكاتب -بطبيعة الحال- إلى بعض التساؤلات التي كان يطرحها "الخيام" حول لوغاريتمات الحياة وألغاز الموت وعلاقة الإنسان بالله، ولكنه لم يقدم إجابة شافية تكشف هذه الحالة من الاضطراب النفسي إن جازت التسمية، وربما جاءت هذه التساؤلات في مرحلة مبكرة من حياة "الخيام"، وهي كانت لاهية بالفعل لأسباب عديدة، وكان لا يزال متأثرًا بمعلميه وأساتذته، وكان بعضهم ذرادشتيًا؛ لا سيما أن له أشعارًا أخرى تؤكد يقينه وإيمانه بالله وخضوعه له، وربما يكون قد صاغها في فترة عزلته الأخيرة التي انقطع فيها عن الناس؛ وهو ما يبدد تلقائيًا شبهة الإلحاد التي حاول البعض إلصاقها به!

شقيقة ماكنمارا تشكر مدير "عمر الخيام"

كواليس ترجمة أحمد رامي للرباعيات

بعد عقود طويلة من وفاته..اعتنى الشاعر  أحمد رامي  برباعيات عمر الخيام وافتُتن بها؛ حتى درس من أجلها اللغة الفارسية في جامعة السوربون؛ ليتقن ترجمتها إلى اللغة العربية. 

في العام 1924 صدرت الطبعة الأولى لترجمة رباعيات الخيام بتوقيع الشاعر أحمد رامي، وقد شغلت الناس، حتى أقبلت أم كلثوم على غناء بعضها، ولكن بشروط.

توحيد رامي، ابن الشاعر أحمد رامي كتب فى مقدمة الطبعة الخامسة والعشرين من ترجمة رباعيات الخيام: "ظلت رباعيات الخيَّام غائبة فى بطون الكتب، ضائعة فى حنايا المكتبات، حتى ترجمها إلى الإنجليزية الشاعر فتزجرالد عام 1859، ثم تتالت بعدها الترجمات إلى لغات أجنبية، وقد صدرت باللغة العربية، مترجمة عن الإنجليزية، وشعر أحمد رامى أن الترجمة من لغةٍ إلى لغة قد تؤدى إلى فقدان بعض من الإحساس والمعاني، ولهذا قرر أن يدرس الفارسية، ليحس بروح الخيام فى رباعياته".

في العام 1950، وبألحان رياض السنباطي الذي حلت ذكرى وفاته الثانية والأربعون يوم الخميس الماضي.. غنت أم كلثوم من رباعيات الخيام:

سمعتُ صوتًا هاتفًا فى السَّحَر/ نادى من الغيب غفاة البشر/ هبوا املأوا كأس المنى/ قبل أن تملأ كأسَ العمر كفُّ الَقَدر.

تدخلات رامي في الرباعيات

وكما أضفى المترجمون الغربيون بعضًا من المعاني والألغاز التي تناسب ثقافة بلادهم وأزمانهم على الرباعيات، فإن أحمد رامي ربما يكون قد فعل العكس تمامًا، حيث حرص على استبعاد بعض المرادفات والألفاظ التي تتصادم مع الثقافة العامة والحياء العام عند المصريين وأعرافهم ومعتقداتهم؛ حتى لا يصطدم بالرقابة، عندما كانت تضطلع بدورها، وبأم كلثوم نفسها التي كانت تفرض رقابة ذاتية على نفسها، وقبل أن يصبح الغناء ساحة مستباحة لرديء المعاني وقبيح الألفاظ.

الشاعر "عمر الخيام".. ما بين الإيمان والإلحاد

‏في مقابلة متلفزة مع المذيع الراحل طارق حبيب.. شرح الشاعر الكبير أحمد رامى –رحمهما الله- كيف ترجم رباعيات الخيام، موضحًا أنه استبدل كلمات وألفاظًا لدى ترجمته النص الأصلي من الفارسية؛ لعدم ملاءمتها.

"عمر الخيام" شاعر نبغ في علم الأرقام

وبحسب "رامي"..فإنه استبدل كلمة "الحان"، فى جملة "نادى من الغيب غفاة البشر" والتى كانت فى الأصل: "نادى من ألحان غفاة البشر"، كما غيَّر كلمة "الطلا"، ومعناها الخمر، في قوله: "هبوا املأوا كأس الطلا"، إلى "هبوا املأوا كأس المنى". ويذكر هنا أن إجمالي ما استطاعت أم كلثوم غناءه من الرباعيات لم يتجاوز خمس عشرة رباعية فقط من أصل مائة وسبعين رباعية، ولكن ما لا يمكن إنكاره أن غناء أم كلثوم للرباعيات كان سببًا رئيسًا في رواج كتاب رامي وطبعه مرات عديدة. 

رحلة باريس طريق رامي للرباعيات

يقول "رامي": "اكتشفت لدى وجودي في باريس العام 1922 نسخة من رباعيات الخيام، نشرها المستشرق الفرنسي "نيقولا" عن نسخة طهران عام 1867، فانقطعت لقراءتها وتوفّرت على دراستها حتى إذا انتهيتُ منها دار في خلدي أن أنقلها عن الفارسية إلى الشعر العربي رباعياتٍ، كما نظمها الخيام، وشجعني على ذلك افتقار اللغة العربية إلى ذلك العهد إلى هذه الرباعيات منقولة عن اللغة الفارسية"، مضيفًا: "سافرت في مستهل العام 1923 إلى برلين؛ حيث راجعت النسخ الخطية المحفوظة في مكتبتها الجامعة، قبل أن أشرع في الترجمة العربية لها في العام التالي".

اقتنع "رامي" –كما اقتنع سابقوه من الشعراء- بأن رباعيات الخيام عمل شعري فذ، تجتمع فيه روح الشاعرية بروح الحكمة وروح الانفلات، كما تجتمع فيه حياة العاصي بحياة التائب، وروح الالتزام بروح التحرر.

 كما أدرك "رامي" أن الشاعر الفارسي في النهاية يميل إلى ما يجب الميل إليه، وهو جادة الطريق وحُسن الظن بالله، وتعنيف النفس أمام شهواتها، فرحمة الله العظيمة التي وسعت كل شيء هي الملاذ الأخير الذي يلجأ إليه المؤمن والعاصي معًا، وهذا ما نلمسه عند كثير من أعلام الشعراء ونوابغهم الذين غرتهم الحياة كثيرًا، قبل أن يعودوا في النهاية إلى طريق الهداية وسبيل الرشاد.

وعلى هذا كانت خاتمة حياة عمر الخيام بكل تناقضاتها، فقد حكي أن عمر الخيام كان يتأمل "الإلهيات" من كتاب "الشفاء" لمواطنه "ابن سينا"، فلما وصل إلى فصل الواحد والكثير وضع الكتاب، وقام فصلى، ثم أوصى ولم يأكل ولم يشرب، فلما فرغ من صلاة العشاء سجد لله وقال في سجوده: "اللهم إني عرفتك على مبلغ إمكاني فاغفر لي فإن معرفتي إياك وسيلتي إليك" ثم أسلم نفسه الأخير.

 

وإن من الشعر لحكمة..هكذا كانت الرباعيات

إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحرًا، وفي كثير من رباعيات الخيام معانٍ جلية، دفعت عشرات الشعراء من كل صوب وحدب إلى ترجمتها.. وهو ما يمكن ملاحظته في هذه النماذج والتي تنسجم مع الشخصية الجادة والحقيقية للشاعر الفارسي:

-إن لم يكن حظُّ الفتى في دهره/ إلا الرَّدى ومرارةُ العيشِ الرّدي/ سَعِدَ الذي لم يحيا فيه لحظة/ حقًا، وأسعد منهُ من لم يولَدِ.

-إلهي قلّ من خلا من خطيئة/ وكيف يا ترى عاش البريء من الذنب/ إذا كنت تجزي الذنب مني بمثله/ ما الفرق ما بيني وبينك ياربي.

وفي مثل هذا اليوم من العام 1131 ميلاديًا.. توفي عمر الخيام عن 83 عامًا، ودُفن في قبر اختار موقعه قبيل وفاته داخل بستان، إلا إن شاه إيران أمر لاحقًا بنقل رفاته في العام 1963 إلى ضريح ضخم بناه في نيسابور، ليكون مقصدًا سياحيًا، كما لا تزال رباعياته مقصدًا شعريًا ومعرفيًا متجددًا حتى الآن. 

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

الجريدة الرسمية