رئيس التحرير
عصام كامل

أوراق العمر!

أعمارنا تشبه فصول العام، فيها الربيع وفيها الخريف.. هى أوراق تخضر وتزهر ثم تذبل وتتساقط الواحدة تلو الأخرى.. فحين نولد يسارعون باستخراج شهادة ميلاد، ثم شهادة التطعيم، وحين نلتحق بالتعليم نتوج مشوار الكفاح والنجاح بورقة هى شهادة التخرج وهي جواز المرور إلى الحياة العملية.


ثم تتوالى الأوراق.. عقد الزواج ورقة.. جواز السفر ورقة.. عقد الشقة أو البيت أو السيارة ورقة.. حسن السير والسلوك ورقة.. روشتة العلاج  ورقة.. والدعوة للمناسبات ورقة.

حسن الخاتمة


وتمضى حياتنا لتتساقط ورقة بعد ورقة.. كل يوم ينقضي من حياتنا هو ورقة تسقط من شجرة العمر.. تطويها الأيام.. وتمزقها.. ثم ترميها.. وكم يحزن الإنسان لورقة.. وكم يفرح لورقة.. لكن الورقة الوحيدة التي لا يمكن للإنسان أن يراها هى شهادة وفاته.. فهل استعددت لتلك اللحظة.. وهل أعددت الزاد والراحلة لسفر طويل لا يعلم إلا الله وحده متى يبدأ ومتى ينتهي.


أما الوفاة فهي بداية للحياة الآخرة؛ وهى الحياة الحقيقية كما وصفها رب العزة سبحانه.. يقول تعالى: "وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" (العنكبوت: 64). فإذا أخذت كتابك، أي صحيفة أعمالك باليمين فأبشر وافرح بما قدمت يداك.. أما إذا أسأت وطغيت وضيعت وفرطت فلا تلومنّ إلا نفسك.. 

 

يقول الله تعالى: "فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ  فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ  فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ  كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (الحاقة:19-24).. أما أهل الشِمال فيقول الله فيهم: "أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ ۜ  هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ  خُذُوهُ فَغُلُّوهُ  ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ" (الحاقة:25-30).


كل شخص في الحياة إن كان صادقًا مع نفسه، يحاسبها ويراجعها ولا يتمادى في غيها يمكنه أن يعرف مكانه ومكانته بعد موته بل إن ثمة شواهد في الدنيا يعرفها أهل الفضل؛ فإذا أردت أن تعرف مكانك فانظر أين أقامك.. لكن المهم هو الاستقامة على طول الخط دون رياء ولا سمعة، وعدم الاغترار بالعمل؛ فالفيصل هو حسن الخاتمة.. والأمر كله معقود على النيات والإخلاص

.


يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، وهذا في حق من لا يعمل إخلاصا وإيمانا، بل يعمل بعمل أهل الجنة (فيما يبدو للناس) فقط.. أي ينافق ويماري في عمله.. دون أن يدرى أن العمر لحظة ولا يدر كيف تكون الخاتمة!!

الجريدة الرسمية