رئيس التحرير
عصام كامل

تقدموا.. تقدموا!

بموازين القوى الظاهرة للعيان سواء كانت حقيقية أو مبالغا في تضخيمها بهدف الردع النفسي ما كانت مصر تفكر في خوض حرب أكتوبر المجيدة، موازين القوة العادية والظاهرة تظهر تفوقا إسرائيليا في العتاد العسكري الذي تمده به المصانع الأمريكية والغربية كل لحظة وكانت آخرها الجسور الجوية المباشرة إلى سيناء أثناء الحرب.. ونحن مزودون بعتاد من الاتحاد السوفيتي متخلف عن نظيره الغربي بمراحل!


من حيث الموانع الطبيعية يوجد أكبر مانع مائي يستحيل عبوره بالأفراد، فما بالكم بالدبابات والمدرعات.. إلخ من أسلحة ثقيلة لازمة للمعركة. أما من حيث الموانع الصناعية كيف لنا العبور من ساتر ترابي وخط بارليف الحصين ومواسير للنابالم يمكن أن تحيل قناة السويس إلى جهنم في لحظه تلتهم ما فيها من بشر وحجر. 
 

من حيث الدعم الدولى كيف لمصر أن تواجه دعما غربيا لا محدود لأكاذيب صهيونية ومزاعم بحقوق ليست لهم وعن أرض لا يملكون منها ذرة رمل واحدة، وتاريخ من الاساطير والأوهام لا يرتبط بجغرافيا أو واقع.
 

من حيث الحق، كيف لمصر أن تسترد حقا وحضارة وتاريخا وحاضرا ومستقبلا وقع أسيرا بين أنياب عدو مغتصب جاء فارا وهاربا من مزاعم، وطامحا فى أرض ليست أرضه. كل ذلك وبميزان العقل لا يمكن لبلد ان يخوض حربا، لكن الكل نسى الطرف المهم فى المعادلة وهو الشعب والإنسان المصرى، الذى لم يفهم العالم رسالته الأولى بعد ساعات من 5 يونيو 1967 برفض تنحى القائد المهزوم من وجهة نظر العدو، ولكنه المخلص بالنسبة لشعبه وأمته..

لن تسقط مصر


ولا أعتقد أن وقائع التاريخ بها مثل هذا المشهد المهيب من رفض الملايين لتنحى الزعيم والإصرار على الأخذ بالثأر. وبعيدا عن هذا الحدث الجلل لا أحد من القوى الاستعمارية وأن تغيرت صورها على مر الزمان يدرك قوة الشعوب التى لا تؤمن بموازين القوى العادية، لأنه ببساطة لو أدرك ذلك ما فعل!
 

مصر تخلصت من احتلال بريطانى دام عشرات السنوات والجزائر تخلصت من احتلال فرنسا دام عشرات السنوات، وما أدراك ببريطانيا وفرنسا القوتين المهيمنتين على العالم وقتها.. وما حدث عندنا حدث فى الهند وافريقيا وأمريكا الجنوبية وغيرها، وأن تعددت أشكال المقاومة.. لكل شعب عبقريته وتفرده فى التخلص من محتله، فما بالك بالشعوب ذات الحضارات التى ما زالت تعيش لآلاف السنين، وقد مرت بها الأحقاب والأنواء.


الغطرسة والقوة الباطشه مهما طالت وتجبرت لا تنفع ولا تدوم أمام الشعوب حتى ولو بقت لبعض الوقت.. بإختصار لا يحرر البلدان سوى أهلها! ودروس التاريخ تؤكد أنه لا يوجد محتلا على مر العصور مهما تجبر أن يستمر فى أرض ليست له أو يحكم شعبا لم يختره إلا بضع سنوات لا تزيد عن فيمتو ثانية في عمر الشعوب.


هنا الإنسان المصرى ظهر معدنه واستعاد قدرته على الإدهاش، وما زال! بخرطوم ماء أزال الساتر الترابى، وبقوارب مطاط عبر الآلاف، وبالهليكوبتر أسقط الفانتوم وبالحجر والأسمنت سد مواسير النابلم، وبالشجاعة وحدها نزل للمتمترسين فى خط بارليف ليسقطهم فى المصيدة كالفئران!


لم يدرك العدو  قبلها بعض حلقات الدرس في معارك الاستنزاف التى بدأت بعد أيام من شهر يونيو 1967 فى رأس العش وغيرها.. لم يدرك العدو درس تحطيم المدمرة إيلات وحاملات الجند والرصيف البحرى والميناء فى عقر تمترسهم بمجموعة من الأبطال، كل واحد منهم بمثابة جيش أسطوري.
 

لم يدرك العدو درس اقامة المصريين لحائط الصواريخ بأجسادهم وتحت قصف مدفاعياتهم وصواريخهم... لم يدرك العدو دروس التحام القائد بالجند، الزعيم بالشعب، العدو يدرك أن مصر هى درة التاج، بسقوطها تسقط المنطقة، وبقوتها تستقر المنطقة، ولأنهم لا يريدون استقرارا للمنطقة ويريدون تغيير جغرافيتها السياسية فلا بد من سقوط مصر..
 

حاولوا من الخارج فانتصرت مصر في 1973، حاولوا من الداخل فانتصرت مصر في ثورة 30 يونيو، لذلك يحاولون الآن بمحاصرتها بحدود اللهب من الجنوب في السودان وسد النهضة في إثيوبيا، ومن الغرب بليبيا، ومن الشرق بغزة بوضع سكانها بين العدو أمامكم ومصر خلفكم لتفيذ السيناريو الجديد. 

القضية الفلسطينية

لذلك جاء الرد المصرى منذ ساعات دقيق بأن السيادة المصرية ليست مستباحة، وحذر الرد المصرى من دفع الفلسطينيين العزل تجاه الحدود المصرية، وتغذية بعض الأطراف لدعوات النزوح الجماعي.
وحقنا لدماء الشعب الفلسطيني أكد أن رؤية القاهرة كانت بعيدة المدى عندما حذرت الجميع من خطورة الموقف وتداعيات هذا على ثوابت القضية الفلسطينية.


وشدد الرد المصرى على خطورة دعوات النزوح وأنها كفيلة بتفريغ القطاع من سكانه وتصفية القضية الفلسطينية ذاتها، فضلا عن كون السيادة المصرية ليست مستباحة. يعنى بأختصار ندرك الفخ.. عالم لا يؤمن إلا بالقوة.. والقوة لا تملكها إلا الشعوب مهما طال الزمن!


لم أجد سوى قصيدة الشاعر الفلسطيني سميح القاسم ليعبر عنا الآن ويقول:
تقدموا.. تقدموا.. كل سماء فوقكم جهنم... وكل أرض تحتكم جهنم.. تقدموا.. تقدموا.. يموت منا الطفل والشيخ ولا يستسلم.. وتسقط الأم على أبنائها القتلى.. ولا تستسلم..


تقدموا... تقدموا... 
بناقلات جندكم.. وراجمات حقدكم.. هددوا.. وشردوا.. ويتموا.. وهدموا.. لن تكسروا أعماقنا.. لن تهزموا أشواقنا.. نحن القضاء المبرم..


تقدموا.. تقدموا..
طريقكم ورائكم.. وغدكم ورائكم.. وبحركم ورائكم.. وبركم ورائكم.. ولم يزل أمامنا.. طريقنا وغدنا وبرنا.. وبحرنا وخيرنا وشرنا.. فما الذي يدفعكم.. من جثة لجثة.. وكيف يستدرجكم.. من لوثة للوثة سفر الجنون المبهم..


تقدموا.. تقدموا..
وراء كل حجر كف.. وخلف كل عشبة حتف.. وبعد كل جثة.. فخ جميل محكم.. وإن نجت ساق.. يظل ساعد ومعصم..

 


تقدموا تقدموا..
كل سماء فوقكم جهنم.. وكل أرض تحتكم.. جهنم.. 
تقدموا.. تقدموا..
yousrielsaid @ yahoo. com

الجريدة الرسمية