رئيس التحرير
عصام كامل

الرجل الثاني الغائب

يقال إن المشهد الأخير في فيلم الرجل الثاني جعل رشدي أباظة الرجل الأول في السينما المصرية، ومن يومها أصبح الرجل الثاني رجسا ونحن لا نعرف إسم الرجل الثاني في أي مؤسسة مصرية هو الغياب المتعمد لصناعة البديل، واعتبار ذلك رجسًا سياسيًا يوجب العقاب لمن يطرحه، حتى وإن تم فرز شخص ما بديل لأي مؤسسة أو منصب فإن ذلك يعني اغتياله معنويًا.. 

 

ذلك أن الإدارة وفقا لمفهوم وفلسفة إدارة الرجل الواحد هي أبرز أسباب غياب الصف الثاني، وهذه الفجوة في رجال وقيادات الصف الثاني بالمؤسسات ضد الحوكمة الرشيدة، وتؤدي إلي مركزية اتخاذ القرار وتعطيل قرارات أخري. 

 

ومن غير المنطقي خلو تلك المناصب لفترات زمنية طويلة، فلابد من وجود نواب لكل رؤساء المؤسسات وطاقم الإدارة العليا والوسطي لسد الفراغ وإتمام العمل علي أكمل وجه في حالة غياب أحد افرادها لأي سبب يتعلق بالعمل أو غيره.. 

 

ومن المؤكد أن قيادة دولة من أعلى منصب فيها مرورا بوزرائها وقياداتها المحلية والتنفيذية والقضائية والتشريعية أيا كان حجمها تحتاج الى قيادات محترفة ذات علم ودرايا بالمتطلبات الاستراتيجية للدولة وطبيعة شعبها وخططتها المستقبلية ومعرفة مشاكلها الداخلية والعالمية وعلى قدر كافى من حضور الشخصية القيادية والقدرة على الحوار والتعرف على ما يدور في وجدان الشعب بكافة مستوياته ومعتقداته وكيفيه الحوار المثمر والمقنع له..

 

وإعداد تلك القيادات يحتاح إلى فترات زمنية ليست بالقصيرة قبل تولى أى مسؤول قيادة أي موقع قيادى في الدولة رئيسا كان أو وزير أو محافظ أو مساعد وزير أو وكيل وزارة وما يساويهم فى الموافقه الإدارية والتنفيذية والقضائية والتعليمية والتشريعية فى الدولة.. 

 

وذلك بإعداد الصف الثانى من القيادات في كل موقع يتعايش فيه مع المسؤؤل الأول في الموقع ويعيش مشاكل وتطلعات الموقع ويؤهل لقيادته تجنبا للعشوائيه في اختيار المناصب القيادية والمحسوبية والشلللية التي كانت سببا مباشرا في كل ازمات هذا البلد.. 

 

وبالتالي يجب أن يكون منصب الرجل الثاني وجوبيا وليس رخصة للرجل الاول  في كل المناصب ومن الامانة ان يكون لكل مدير عام ادارة أو وكيل وزارة نائبا يتولي من بعده مقاليد ومفاصل العمل.   

ويعرف أيضًا الذين اقتربوا من صناعة القرار أيام فوضى يناير أن أعضاء المجلس العسكري كانوا يعقدون جلسات مطولة مع كل ألوان الطيف السياسي والحزبي والمهني والنقابي والإعلامي والشبابي في مصر، فيما يبدو كمحاولة للفهم أولا ولاكتشاف قيادات جديدة وطنية مؤهلة كوجوه جديدة لمرحلة بناء الدولة بعد يناير..

 

وكانوا يسمعون أكثر مما يتكلمون، وفي تلك الأوقات وقفت قيادات القوات المسلحة على حقائق صادمة بعدم وجود رجال دولة مؤهلين لإدارة البلاد سواء في المرحلة الانتقالية أو فيما بعد، ولعل ذلك ما دفع السلطة وقتها إلى التساهل في قيام الأحزاب لعل التجربة تفرز رجال دولة، ولكن الممارسة الحزبية خذلت الجميع، في ظل غياب المدارس التي تنتج الكوادر وتؤهلهم للعمل في دولاب الدولة.


وفي كل دول العالم كان هناك رجال مؤسسون يقومون ببناء مؤسسات الدولة دون ضجيج، وأفعالهم أكثر من أقوالهم، ويظهرون غالبًا في اللحظات الحاسمة لأنهم يحملون رؤية واضحة ويفكرون في بناء الدولة وليس الوصول إلى السلطة واحتكارها، ويفكرون خارج الصندوق وبعيدًا عن القطيع، وهم الذين أسسوا الولايات المتحدة ويطلق عليهم الآباء المؤسسون.

 

 

عكس الأوضاع لدينا، فالقاعدة ليسوا آباءً ولا مؤسسين؛ لأنهم يعتمدون على خدام الدولة أكثر من رجال الدولة، وعلى الموالين أكثر من المبدعين، ومثل هؤلاء لا يجرؤون على قول حينما يستدعي الأمر معالجة نقدية بحكم تعودهم على الإرتماء في أحضان الصمت، والتقهقر إلى الزوايا، ويمسكون العصا من المنتصف، وللاسف هم الذين يحتلون المشهد دوما.

الجريدة الرسمية