رئيس التحرير
عصام كامل

جدل فقهي حول حكم الاحتفال بذكرى المولد النبوي.. الإفتاء تجيزه وتحسم موقف الشرع من الحلوى

دار الإفتاء توضح
دار الإفتاء توضح حكم الاحتفال بذكرى المولد النبوي، فيتو

 مع دخول شهر ربيع الأول كل عام يتجدد الخلاف الفقهي حول حكم الشرع في  الاحتفال بذكرى  المولد النبوي الشريف، فما بين رؤية التيارات السلفية عدم مشروعية الاحتفال بهذه الذكرى لعدم ورود نصوص شرعية أو أثر لها في السيرة البنوية والتابعين، في الوقت الذي تؤكد فيه دار الإفتاء والمؤسسات الرسمية على جواز الاحتفال بتلك الذكرى العطرة.

 

الفتاوى تجيز الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف 

وأوضحت دار الإفتاء أن الفتاوى التي تجيز الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف بلغت نسبة 70%، تمثَّلت في فتاوى صادرة من الهيئات الرسمية المعنية بإصدار الفتاوى في مصر مثل: دار الإفتاء والأزهر الشريف ومجمع البحوث الإسلامية، ولم تحرم الاحتفال بمولد الشريف إلا التيارات المخالفة لمنهج الأمة، وذلك بنسبة 30%!

وخلال الأيام الماضية قدمت دار الإفتاء أدلتها الشرعية على جواز الاحتفال بذكرى المولد النبوي وذلك من خلال سلسلة من الفتاوى والرسائل المباشرة عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” نستعرضها خلال السطور التالية:

إن من أفضل أوجه إحياء ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم: كثرة الصلاة عليه؛ إذ تُفتح بها الأبواب المغلقة وتنال بها الدرجات ويطمئن بها الإنسان في حالَي السَّعة والضرورة، بل هي مفرجة لكل ضائقة أو كرب، وبها تنحلُّ العقد وتُنال بها الرغائب وتُقضى بها الحوائج.

 

حكم الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف 

الاحتفال بالمولد النبوي الشريف مظهر من مظاهر التعظيم والاحتفاء والفرح بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، والاحتفاءُ والفرح به أمرٌ مقطوع بمشروعيته؛ لأنَّه عنوان محبته صلى الله عليه وآله وسلم التي هي ركن الإيمان؛ قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31].إن الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف يعني إظهار الفرح في هذا اليوم، بجمع الناس على الذكر، وقراءة السيرة العطرة خاصة قصة المولد النبوي الشريف، والإنشاد في مدحه والثناء عليه صلى الله عليه وآله وسلم، وإطعام الطعام، والصيام، والقيام؛ إعلانًا لمحبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ وهذا كله مشروع، مطلوب لدخوله تحت عموم قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].

إن الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف - بِشتَّى أنواع القربات- سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فقد رُوِيَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الإثْنَيْنِ؟ قَالَ: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ...» أخرجه مسلم، كما كان يصومُ يومَ عاشوراء ويأمر بصيامه؛ شكرًا لله تعالى وفرحًا واحتفالًا بِنجاةِ سيدنا موسى عليه السلام.


يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللهِ﴾ وهو دليل يفيد سنيَّة واستحباب تذكر الأيام العظيمة القدر في حياة المسلمين خاصة، ولا شك أن يوم مولد سيد الخلق هو أحق تلك الأيام وأَولاها بالتذكر والاحتفال والاهتمام.

الاحتفالُ بِمولدِ النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم مِن أفضل الأعمال وأعظم القربات؛ لأنه تعبير عن الفرح والحب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو أصل من أصول الإيمان؛ فقد صح عنه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا يُؤمِنُ أَحَدُكم حتى أَكُونَ أَحَبَّ إليه مِن والِدِه ووَلَدِه والنَّاسِ أَجمَعِينَ» متفق عليه.

هل احتفل الصحابة بذكرى المولد النبوي 

لقد ورد في السنن دليل على جواز احتفال الصحابة رضي الله عنهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم مع إقراره لذلك وإِذْنه فيه؛ ولو كان ذلك بدعة ضلالةٍ ما أقره النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فعن بُرَيدة الأسلمي رضي الله عنه أن جارية أتت النبي فقالت: يا رسول الله، إنِّي كنت نذَرتُ إن رَدَّكَ اللهُ سَالِمًا أَن أَضرِبَ بينَ يَدَيكَ صلى الله عليه وآله وسلم بالدُّفِّ وأَتَغَنَّى، فقالَ صلى الله عليه وآله وسلم: «إن كُنتِ نَذَرتِ فاضرِبِي، وإلَّا فلا» أخرجه الترمذي.

إدخال السرور على الأسرة، وصِلة الأرحام، أمر مستحب، فإذا كان ذلك تعبيرًا عن الفرح بمولد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كان أشد مشروعية وندبًا واستحبابًا؛ فالأصل في المسلم إذا أنعم الله عليه بنعمةٍ ورحمةٍ أن يفرح بها، وأيُّ نعمة ورحمةٍ هي أفضل من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! قال تعالى: {وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا} [الشورى: 48].

يجب أن نتذكر في هذه المناسبة العطرة (المولد النبوي) أن البعد عن الأخلاق والقيم المحمدية السامية هو ما أوصلنا إلى كثير من الأزمات التي ما زلنا نعاني منها في حياتنا، خاصة بعدما تمسك البعض بمظاهر التدين دون جوهر الدين.

ثبت في كُتب السنة النبوية المطهرة اجتماع الصحابة رضي الله عنهم في حياته صلى الله عليه وآله وسلم ما يدل على مشروعية الاحتفال وقراءة السيرة النبوية بِنِيَّة شكر الله تعالى على نعمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وآله وسلم خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ وَهُمْ جُلُوسٌ فَقَالَ: «مَا أَجْلَسَكُمْ؟» قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَنُمَجِّدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَمَنَّ عَلَيْنَا بِكَ، قَالَ: «اللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ؟» قَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَلِكَ، قَالَ: «أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَلَكِنْ أَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ» أخرجه أحمد في مسنده والطبراني في الدعاء.

يجوز شرعًا إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف بكافة مظاهر الفرح والسرور، ويَدخُل في ذلك ما اعتاده الناسُ من شراء الحَلوى والتهادي بها في هذه المناسبة العطرة؛ وذلك محبةً منهم لما كان يحبه النبي من الطعام؛ فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يُحِبُّ الحَلْوَاءَ، وَيُحِبُّ العَسَلَ" أخرجه البخاري.
 

حكم تبادل الهدايا من حلوى المولد النبوي 

يجوز شرعًا تبادل الهدايا والحلوى إحياءً لذكرى المولد النبوي الشريف؛ وذلك لعموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» أخرجه مالك في "الموطأ" ولم يَقُمْ دليلٌ على المنع من القيام بهذا العمل أو تقييد ذلك بإباحَتِه في وقت دون وقت.

المولد النبوي الشريف هو إطلالة للرحمة الإلهية، فقد عَبَّر القرآن الكريم عن وجود النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه رحمة للعالمين، فقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، والأصل في المسلم أنه إن أصابته رحمة فرح بها؛ قال تعالى: {وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا} [الشورى: 48].

الاحتفال بِذكرى المولد النبوي يكون بتجمُّع الناس على الذكر، والإنشاد في مدحه والثناء عليه صلى الله عليه وآله وسلم وإطعام الطعام صدقة لله، وغير ذلك من أنواع البر والقربات، ولا يُلْتَفَتُ إلى غير ذلك من مظاهر الاحتفال المخالفة للشرع، التي تأباها الفطر السليمة.

لقد ورد الأمر الشرعي بتذكُّر سِيَرِ الأنبياء وأيام موالدهم؛ قال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ﴾ [مريم: 41]، وقال: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى﴾ [مريم: 51]، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو أولى الأنبياء وأحقهم بتذكُّرِ سيرته ومولده والاقتداء به.

لقد كرَّم الله تعالى يوم الولادة في كتابه وعلى لِسان أنبيائه فقال سبحانه: ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ﴾ [مريم: 15]، وقال جل شأنه على لسان سيدنا عيسى عليه السلام: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ﴾ [مريم: 33]، وذلك أن يوم الميلاد حصلت فيه نعمةُ الإيجاد؛ فأيُّ نعمة هي أفضل من نعمة إيجاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم هاديًا ومبشرًا ونذيرًا.

إننا في أشد الحاجة الآن إلى الرجوع إلى سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لنقرأها قراءة عصرية وحضارية، فنتعلم منها الرحمة والإنسانية وعمارة الأرض بالعمل والاجتهاد لكي نحقق الغاية العظمى من استخلاف الله لنا في الأرض على مراد الله منا.
 

تعليق دار الإفتاء على مخالفات الاحتفال بذكرى المولد النبوى

لا يجوز شرعًا الطعن في مشروعية الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف بما قد يحدث فيه من أمورٍ محرمةٍ؛ بل إننا ننكر ما قد يكتنفه من منكرات، ويُنبَّهُ أصحابها –بالحكمة واللِّين- إلى مخالفةِ هذه المُنكراتِ للمقصد الأساس الذي أُقيمت من أجله هذه المناسبات الشريفة.
 لقد عرَّف العلماء مديحَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه: الشِّعْرُ الذي يشتمل على تعداد صفاته، وإظهار الشوق لرؤيته، وزيارته، مع ذكر معجزاته، ونظم سيرته، والصلاة عليه؛ وذلك كله أمر مشروع؛ فعَنِ الأسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ مَدَحْتُ اللهَ بِمِدْحَةٍ وَمَدَحْتُكَ بِأُخْرَى، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «هَاتِ، وَابْدَأْ بِمِدْحَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» أخرجه أحمد.

إلقاء المدائح النبوية في ذكرى يوم مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر مستحب؛ لعموم قوله تعالى: ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الفتح: 9]، والتعزير هو التعظيم، ومَدْحُه صلى الله عليه وآله وسلم من مظاهر تعظيمه وحبه.
 

لقد ظهر مدح المسلمين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم منذ بداية العهد النبوي؛ حيث مدحه أصحابه وعلى رأسهم سيدنا حسان بن ثابت رضي الله عنه، وقد مدحته أم معبد في الجاهلية ووصفته بمحاسن الصفات.
 

لقد مدح سيدنا كعبُ بن زهير رضي الله عنه رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسجده الشريف، بقصيدته المشهورة، فأقرَّه النبي صلى الله عليه وآله وسلم –أي: وافقه- على ذلك، بل كساهُ عباءته الشريفة، وسُميت بالبردة، فكانت أول بردة في الإسلام.
 

الشيخ الشعراوي يوضح حكم الاحتفال بذكرى المولد النبوي

وتحدث الشيخ الشعراوي في تسجيل صوتي نادر  عن حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وذلك للرد على المشككين فى الاحتفال بهذه الذكرى المباركة.

وقال الشيخ محمد متولي الشعرواي، فى التسجيل النادر: " ما أفرحنا بيوم ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، ويحق لنا أن نفرح به، لأنه اليوم الذي يُنسب إليه خير الإسلام كله، بعثًا لرسوله الرحمة الخاتم.. مولد النبي محمد بمثابة إيذان بالدعوة الإسلامية وهجرة إلى الأنصار، كل ذلك حسنة من حسنات يوم الميلاد، وليست هذه هي كل الحسنات".

وتابع: "إنما الحسنات في كل فعل خير، يقوم به ويفعله الإنسان المؤمن، الإنسان المؤمن هو الذي يفرح بهذا اليوم، قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعلى من فرح المؤمنين به.. الاحتفال بالمولد النبوي الشريف فرح للمؤمنين، ولكن انقسم الإنسان عنده، فمن كفر بالله كره هذا اليوم، وكره كل آثاره، ولذلك فإن حب الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف اقتصر على من آمن بالله ورسوله".

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

الجريدة الرسمية