رئيس التحرير
عصام كامل

أزمة الخيار ونوستالجيا المستقبل

يعيش إنسان هذا العصر في زمنٍ يتميز بتزايد الخيارات والتطور التكنولوجي السريع.. الحياة أصبحت مليئة بالفرص والاختيارات اللامتناهية في كل جانب، سواء في مجال الترفيه، أو التسوق، أو حتى في القرارات اليومية البسيطة، وعلى الرغم من أن هذا التطور يُعَدُّ –على الورق- شيئا إيجابيا، إلا أنه قد أثَّرَ بشكل كبير على الإنسان وعلى قدرته على الاستمتاع بالحياة واتخاذ القرارات بثقة.. 

 

فكلما زادت الخيارات أمام الإنسان، زادت حيرته وقل استمتاعه، فهو يشعر بالقلق والشك في كل قرار يتخذه، متسائلًا عما إذا كان هناك خيار أفضل!

 

زمان كانت الخيارات المتاحة للناس محدودة والتكنولوجيا تكاد تكون غائبة، إذ كانت القنوات التلفزيونية قليلة، وعندما كان التلفزيون يعرض فيلمًا أبيض وأسود، كان الناس يجلسون أمامه مشدوهين ومفعمين بالبهجة.. كنا فعلا نستمتع باللحظة ونعيشها بكل تركيز، كنا نشعر بالرضا تجاه المتاح ولو كان قليلا.

استمتع بالحياة

مضى الزمن وتطورت التكنولوجيا وظهر الإنترنت والسوشيال ميديا، فأصبح الوصول إلى العديد من الخيارات أكثر سهولة. فالآن، يمكن للفرد أن يتنقل بين القنوات التلفزيونية والمنصات الرقمية ومواقع البث المباشر لساعات طويلة دون أن يجد ما يشعره بالرضا. فيبدأ الواحد منا في البحث عن شيء أفضل، ومع هذا البحث اللامتناهي ضاع الاستمتاع ولم يعد بمقدورنا التمتع باللحظة اللتي نعيشها خشية أن يفوت علينا ذلك فرصة الاستمتاع بشيء أفضل مستقبلا.

 

الحقيقة الظاهرة كشمس أغسطس أن زيادة الخيارات يا عزيزي قد تؤدي إلى زيادة الضغط والحيرة النفسية، فعندما يجد الإنسان العديد من الخيارات متاحة أمامه، يصبح من الصعب عليه اتخاذ قرارات بثقة وثبات ويشعر بالقلق من أن يختار خيارًا غير مثالي وأن يفوته خيار أفضل، وطبعا هذا يؤثر سلبًا على قدرته على الاستمتاع باللحظة الحالية ويجعله يشعر بعدم الرضا والحنين إلى ما هو محتمل.. وهذا الشعور معاكس ومغاير تاماما للنوستالجيا التي تعني الحنين للماضي.

 

ودون شك يمكن أن تؤدي الخيارات اللامتناهية إلى تشتت الانتباه وقلة التركيز، فعندما يكون الشخص معرضًا لعدد كبير من الخيارات في الوقت نفسه، فإنه انتباهه ينقسم وتتشتت اهتمامه بين الخيارات المختلفة. وعلى ذلك يصبح غير قادر على التركيز على تجربة واحدة بشكل كامل ما يؤثر على قدرته على الاستمتاع بالتجارب التي يعيشها بالفعل من أجل تجارب مستقبلية قد لا تحدث أصلا.. تصور يحدث ذلك بينما أجدادنا قالوا عصفور في اليد ولا عشرة على الشجرة.

 

دوما يحاول الإنسان البحث عن الأفضل، وهذا حقه، لكن مأساته تكمن في أنه يميل للاعتقاد أن هناك خيارًا أفضل من الذي يمتلكه حاليًا. وهذا السعي المستمر وراء الأفضل يمكن أن يؤدي إلى ضياع الوقت والجهد في البحث بدلًا من الاستمتاع بالتجربة الحالية، فعندما يكون الإنسان مشغولًا بالبحث عن الأفضل، يفوت العديد من الفرص للاستفادة والتمتع بما هو متاح له في الوقت الحاضر.

 

 

يا عزيزي، تطلع للأفضل دوما لكن لا تهمل تجربتك التي تعيشها.. استمتع بها وواصل بحثك، فإن صادفت الأفضل في المستقبل استمتع به أيضا، وإن لم يحدث ولم تقابل العشر عصافير على شجرة الغد فيكفي أنك استفدت بالعصفور الذي كان في يدك بالأمس فعلا.. الخلاصة عش حياتك واستمتع.

الجريدة الرسمية