رئيس التحرير
عصام كامل

الأراجوزات لا يصنعون الهيبة

لبعض الناس طلة طاغية وحضور كاسح، فذلك عطاء ربك الرائع، ويزداد جمال المنحة الربانية هذه إن توافق، اللسان واللغة والفكر مع الهيبة، فإن لم يتوافق كنا أمام صورة أشبه بالعملاق له صوت طفل، فيترك في النفس أثرا مضحكا ساخرا..


أما إذا توافق المظهر مع لسان قوى بالغ الحجة، رأينا شخصا يستحق الهيبة والطلة والحضرة.
توجد مناصب تضفي بطبيعتها مجالا من النفاذ. ومن الفعالية. ومن الرهبة، تختلط جميعا فتصنع للجالس على الكرسي هيبة طارئة عليه، حتى إذ نزل عن الكرسي أو أنزل عنه، تقلص العملاق إلى صرصور.


بعض المناصب ذات الخطر والشأن العظيم يشغلها شخوص، يعتبرون وجودهم إضافة واجبة للمنصب، هم أكبر من الكرسي ويدركون جيدا أن الأخير ليس بدائم وأنه مخادع، وربما قاتل، وأنه يتلاعب بعقول التافهين. هم في مناعة منه لأنهم أصحاب قيمة ذاتية.


وهؤلاء إن خرجوا أو اخرجوا تبقى ذواتهم متوازنة، يبقى عطاؤهم مستمرا، وتتبقى لهم هيبة الحضور في المجتمع وفي الاعلام. في فيلم زوجة رجل مهم. للنجم الراحل احمد زكي، تأليف الكاتب الكبير رؤوف توفيق، رحمهما الله، يعاني الضابط الذي اخرج من عمله من فقدان السلطة والمكانة والترهيب، فتنقلب حياته رأسا على عقب، فيدمر زوجته وأباها ونفسه. 

تراجع الهيبة

ليس العيب في الكرسي بذاته، في المنصب بذاته، إنما العيب في الشخص ومكوناته، فان كان مكتمل العقل والعلم والتربية أحسن التعامل مع الصلاحيات المرتبطة بموقعه، وأولها بالقطع حسن اختيار مجموعة العمل، والمجموعة اللصيقة، فهاتان الدائرتان جنة أو جحيم، وربما جنة لهم وجحيم عليه لا يدري بصهيره يتراكم..

 

لأن دوائر المنفعة تغلق عنه المعرفة والمعلومات أو تلونها له، وتقدمها ملتوية ترضيه، وقد يحدث العكس، فهو رجل يقظ، بارع، يحاسب وينتبه، لكن ذلك كله له ثمن باهظ من الاعصاب ومن الصحة ومن التركيز.. إذ لا يستقيم بحال ملاحظة من يعمل معك لانه يعمل لمصلحته بينما أنت مكلف بالصالح العام، فذلك اللعين ياخذ منك لحسابه علي حسابك أنت.


يحدث ذلك في أي مكان وفي أي زمان، قطاع خاص، قطاع حكومي، قطاع مهنى، حتى في بيتك.
سقطت سلطة، وتراجعت هيبة مهن جماهيرية مؤثرة كانت فيما مضى، لأن من شغلوها كانوا قيمة بعقولهم وعلمهم ونفاذ كلمتهم، وتقدير المجتمع لهم.. ومع ادراك الجميع أن من يمارس الهيبة هو بلاهيبة ومجرد فراغ داخلي، بل هو من المساخيط، فإن المكانة الواجبة للمهنة تراجعت، أي مهنة وبخاصة في مجالنا..


أتحسس الكلمات كما تحسون بالتأكيد، لأن هذا القلم يصدر عن قلب يحب الجميع، ويتمنى الخير للجميع، وينبض بحب مصر العظيمة، لكنه قلم محزون لأن الهيبة تتراجع، والفعالية محدودة، لأن من يكتب أو يعمل ليس صادقا فيما يفعل، قولا أو فعلا.

 


تبلغ شغاف القلوب والعقول حقا إن صدقت مع نفسك ومع الناس.. الصدق مع المنصب نفع خاص خالص لك لن يدوم.. الصدق مع الناس نفع عام خالص يدوم أثره ولو خرجت أو أخرجت عن المقعد..
الظلال الموجودة على مقاعد، تتوقع أن تضئ، لا يمكن أن تكون شموسا أبدا.

الجريدة الرسمية