رئيس التحرير
عصام كامل

أوقفوا مهرجانات السبوبة التي تسيء لسمعة مصر وفنانيها!

الأصل والهدف من إقامة المهرجانات الفنية هو عمل تظاهرة واحتفالية كبيرة، يجتمع فيها كوكبة من صناع الفن بمختلف فروعه، لعرض أحدث إنتاجاتهم والتباري فيما بينهم، ليفوز من يفوز وهذا ليس المهم فالفائز الحقيقي هو الجمهور في النهاية، الذي يتابع بشغف هذه الانتاجات ويستمتع بها خاصةً عندما تكون الجهات المنظمة لها ذات حيثية ومصداقية، وتهدف إلى الارتقاء بالمضمون المقدم ولا تكون جهات ورقية لا أساس لها، هاجسها الكسب المادي والشو الإعلامي وأهداف أخرى بعيدة كل البعد عن الفن ورسالته الحقيقية !

 

وللأسف شهدت الساحة الفنية في مصر خلال السنوات العشر الأخيرة ازديادًا مطردًا في عدد المهرجانات بشكل لم يسبق له مثيل ولا يوجد له مبرر فني في الغالب ولا جهات متخصصة، بل أن هناك بعض المهرجانات إذا صح وصفها بهذه الصفة، تتعارض مع بعضها البعض من حيث الهدف والمسمى والمكان والموعد أيضًا! 

 

يتكالب عليها ثلة من الهواة والمنتفعين! وهو ما جعل الكثيرين يطلقون على هذه النوعية مهرجانات السبوبة، ودفعهم إلى مطالبة وزارة الثقافة بضرورة تفعيل قرار رئيس الوزراء الصادر عام 2018 بإشراف الوزارة بشكل فعلي على المهرجانات الفنية، وعمل تقييم دوري لها باستمرار للوقوف على أهدافها وأنشطتها ومصادر تمويلها وأوجه صرفها، من خلال اللجنة العليا الدائمة للمهرجانات برئاسة وزير الثقافة وتضم ممثلين عن 8 وزارات، خاصةً وأن مهرجانات السبوبة تلك تسيء لسمعة مصر وفنها وفنانيها.


40 مهرجانًا نصفهم سينمائيًا

أكثر من 40 مهرجانًا فنيا يتم تنظيمهم في مصر في مختلف فروع الفن، وتستحوذ السينما على نصيب الأسد من هذه المهرجانات وهو ما يعكس مكانتها، ولكن إذا نظرنا فعليًا إلى المهرجانات السينمائية التي تحظى بالاحترام والتاريخ والمصداقية، فإنها لن تزد على بضعة مهرجانات قليلة جدًا!.

 

أول هذه المهرجانات وليس أقدمها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي وهو المهرجان ذو الصفة الدولية الوحيد في الشرق الأوسط المعترف بها من قبل الاتحاد الدولي لجمعيات المنتجين، أسسه الراحل كمال الملاخ رئيس جمعية كتاب ونقاد السينما عام 1976، وحقق نجاحات كبيرة بلغت ذروتها في عهد رئيسه التاريخي الكاتب القدير سعد الدين وهبة..

 

ولكن بعد وفاته عام 1997 تراجع المهرجان كثيرًا ولم يعد يمتلك الزخم ونفس المكانة الرفيعة وصار يعاني بشدة من توفير مصادر تمويل وضعف تمويل وزارة الثقافة له، وها هو يستعد لدورته الـ 45 برئاسة النجم حسين فهمي بين 15 إلى 24 نوفمبر المقبل، نتمنى أن تكون أفضل من سابقتيها حتى يعود إلى مجده التليد.

 
مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي لدول البحر المتوسط، هو مهرجان عريق أيضًا يعاني منذ سنوات بفعل تراجع الاهتمام به والدعم له مثلما الحال مع مهرجان القاهرة ولكن بدرجة أكبر وأعمق، أسسه أيضًا كمال الملاخ عام 1979 وتقوم بتنظيمه جمعية كتاب ونقاد السينما بالتعاون مع محافظة الإسكندرية، ومن المقرر إقامة دورته الـ 38 في الفترة من 5 الـ 10 أكتوبر المقبل.

 
مهرجان المركز الكاثوليكي للسينما هو أقدم مهرجان سينمائي في الشرق الأوسط، بدأ عام 1952، وهو من أكثر المهرجانات المصرية احترامًا لأن له شروط أخلاقية في اختيار الأفلام كونه يتبع جهة دينية.


مهرجان جمعية الفيلم للسينما المصرية هو الثاني من حيث القدم بعد مهرجان المركز الكاثوليكي، أنشأته جمعية الفيلم عام 1975.


مهرجان الإسماعيلية الدولي للسينما التسجيلية والقصيرة والذي أقيمت دورته الـ 24 في مارس الماضي.


مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية من المهرجانات الحديثة التي أثبتت جدارتها نوعا ما لتخصصها في سينما غير معلومة لدى أغلبنا.


ومن أحدث المهرجانات التي أوجدت لنفسها مكانًا بارزًا في السنوات الأخيرة وأثارت كثيرًا من الجدل مهرجان الجونة السينمائي والذي انطلق لأول مرة عام 2017، قبل أن يتوقف العام الماضي ثم يتم الإعلان عن عودته في دورته السادسة خلال الفترة من 13 إلى 20 أكتوبر المقبل بضخ دماء جديدة به.


ولأن ليس هناك ضوابط أو إشراف ومتابعة وتقييم حقيقي من الجهات الرسمية بالدولة المعنية  بالمهرجانات، كان من الطبيعي أن تحدث حالة من التخبط والازدواجية واللخبطة في إقامة المهرجانات، ومن ثم وجدنا مهرجانات تأخذ نفس الاسم والهدف، مثل مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة رغم أن هناك مهرجان يسبقه بعشر سنوات كاملة هو مهرجان القاهرة الدولي لسينما المرأة!

 
مهرجان بورسعيد للفيلم العربي الذي أقيمت دورته الأولى عام 2016، ومهرجان بورسعيد لسينما العالم القديم والذي أسسه المخرج اسماعيل مراد وكان من المفترض انطلاقه العام المنصرم! ومهرجان الإسكندرية للسينما الفرانكوفونية، ومهرجان القاهرة للسينما الفرانكوفونية!
 

وبالإضافة إلى هذه المهرجانات هناك مجموعة أخرى ينطبق عليها بشكل أكثر وضوحًا لقب مهرجانات السبوبة وهي التي تنظمها بعض المجلات والمواقع الإلكترونية التي ليس لها أي انتشار أو تواجد إعلامي فعلي أو التي يقيمها أناس بعيدون تمامًا عن الفن! ولكنهم نجحوا بالفهلوة في خداع الفنانين وإيهامهم بأهمية هذه المهرجانات وقيمة ومكانة جوائزها! فحققوا للأسف تواجدًا واضحًا وجذبوا العديد من المعلنين، فجنوا أرباحًا طائلة من هذه السبوبة المسماة مهرجانات فنية!


وقفة حاسمة

لكل ما تقدم أطالب بوقفة حاسمة من وزيرة الثقافة الدكتورة نيفين الكيلاني بضرورة تفعيل قرار رئيس الوزراء عام بشأن ضبط فوضى المهرجانات، وهو القرار الذي لم يفعل حتى لأسباب غير معلومة أو واضحة!  كذلك لا نغفل عامل الفشخرة والمنظرة والتباهي بوجود عدد كبير من المهرجانات بمصر!

والمهرجانات في حد ذاتها مهمة لصناعة الفن والفنانين إذا كانت حقيقية ومن جهات متخصصة، ولكن عندما تكون أغلبها سبوبة هنية يستفيد منها غير المتخصصين حيث يحصل كل مهرجان على 40 بالمائة من تمويله من وزارة الثقافة، ولا فائدة فنية منها إلا لمنظميها، الذين لا علاقة لمعظمهم بالفن، بل وتسيء هذه المهرجانات لسمعة مصر ولفنانيها ولصناعة الفن بها، هنا لا يمكن السكوت بأي حال من الأحوال فقد بلغ السيل الزبى!

الجريدة الرسمية