رئيس التحرير
عصام كامل

أبو الزهراء يكافئ مادحيه (7)

لعل أشهر شعراء هذه الطبقة، هو الشريف الرضي (359 ــ 406 هـ/ 969 ــ 1015م).. هو أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الملقب بـ الشريف الرضي.

 

كان أبوه النقيب أبو الحسين بن موسى أحمد جليل القدر، عظيم المنزلة في دولة بني العباس ودولة بني بويه، ولقب بالطاهر ذي المناقب، وخاطبه بهاء الدولة أبو نصر بن بويه بالطاهر الأوحد، وولي نقابة الطالبيين خمس دفعات، ومات وهو متقلدها بعد أن حالفته الأمراض.

 

أما أمه فهي السيدة فاطمة بنت الناصر الصغير أبي محمد الحسن بن أحمد أبي الحسين صاحب جيش أبيه الناصر الكبير أبي محمد الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن عمر بن علي زين العابدين ابن الحسين، فهو حسيني النسب من الطرفين، ولعله لذلك لقب ذو الحسبين وأبوها هذا وآباؤه كانوا من ملوك طبرستان ببلاد الديلم.

 

نشأ الشريف الرضي نشأة علمية ودرس النحو والفقه والحديث على يد أساتذة هذه العلوم، فتتملذ على كبار العلماء منهم: السيرافي، وابن نباتة، والمرزباني، وغيرهم من الأعلام، كما تتلمذ على يد الشيخ المفيد محمد بن النعمان الذي كان أستاذه وأستاذ أخيه الشريف المرتضى (علم الهدى).

 

وقد روي أن أمه عندما أحضرته مع أخيه إلى المفيد لتعليمهما، كان المفيد رأى في تلك الليلة فاطمة الزهراء جاءت اليه إلى مسجده الذي كان يعلم فيه ومعها ولداها الحسن والحسين، وقالت له: أيها الشيخ خذ ولدي هذين وعلمهما الفقه، فلما أصبح تعجب من ذلك. فلما جاءت أم الشريفين اليه بولديها علم تأويل رؤياه.

 

قال عنه الدكتور زكي مبارك: "طلب إليَّ أن أكتب عن أعظم شاعر أنجبته العربية فكتبت عن الشريف الرضي".

لم يتربّع الشريف الرضي على عرش إمارة الشعر فقط، بل حاز على قصب السبق في باقي مضامير التأليف، فقد كان عمره خصبًا بإنتاجه العلمي والأدبي، ويؤدينا الحساب الدقيق لسني عمره إلى أن إنتاجه لتلك المؤلفات القيمة التي تحتاج إلى مادة علمية غزيرة واطلاع واسع كان على حد الإعجاز..

 

فقد كانت مؤلفاته تتشابه في قوة المنطق وأساليب البيان، ولعل أهم مؤلفاته هو جمعه لنهج البلاغة، وهو مجموع ما اختاره الشريف من كلام أمير المؤمنين وسيد البلغاء والمتكلمين من خطب ورسائل وحكم ومواعظ.

 

ومن أهم أشعاره قصيدته الرائية:

يومٌ حدا الظعنُ فيه بابـنِ فاطمةٍ     سنانَ مـــطّرد الــكعبينِ مطـرورِ

وخرّ للموتِ لا كـــــــــفٌّ تقـلّبه     إلّا بوطئٍ مــن الجردِ المحاضيرِ

ظمآن سلّى نجيعُ الطــــعنِ غلّتَه      عن باردٍ من عبابِ الماءِ مقرورِ

 

كأنَّ بيضَ المواضي وهي تنهبُه      نارٌ تحكّمُ في جســــــمٍ من النورِ

للهِ ملقىً على الرمضاءِ عضّ به     فمُ الردى بين أقدامٍ وتـــــــشميرِ

تحنو عليه الربى ظلًا وتـــسترُه     عن النواظرِ اذيالُ الأعاصـــــيرِ

تهابُه الوحش أن تدنو لمصـرعه     وقد أقـــــــــــامَ ثلاثًا غير مقبورِ

 

وداليته:

ولي كبدٌ مقروحـــةٌ لـو أضاعها     من السقمِ غيري ما بغاها بنــاشدِ

تأوّبني داءٌ مــــن الـهـمِّ لم يـزلْ     بقلبي حتى عادني منه عـــــائدي

تذكّرتُ يومَ السبطِ من آلِ هاشمٍ     وما يومنا من آلِ حـــــربٍ بواحدِ

وظامٍ يريغُ الماءَ قد حــيلَ دونه     سقوه ذبــــــــاباتِ الرقاقِ البواردِ

أتاحوا له مرَّ المواردِ بـــــــالقنا     على ما أباحوا من عذابِ المواردِ

 

ويقول في قصيدة أخرى:

يا حــــــسامًا فلّتْ مضاربَه الها     مُ وقد فلّه الحسامُ الـصقيــــــلُ

يا جوادًا أدمى الجوادَ من الطعـ     ـنِ وولّى ونحـــــــــرُه مبلـولُ

حجلَ الخــيلَ من دماءِ الأعادي      يومَ يبدو طعنٌ وتُخـفى حجولُ

 

أتراني أعيرُ وجـــــــهيَ صونًا     وعلى وجههِ تجـــــولُ الخيولُ

أتراني ألذُّ مـــــــــــــــــاءً ولمّا     يروَ من مـهجةِ الإمـــامِ الغليلُ

قبّــلتــه الــرماحُ وانتضـلتْ فيـ     ـه المنــايا وعانـقته النصـــولُ

 

يا غريبَ الديارِ صبري غريبٌ     وقتيلُ الأعـداءِ نــــــومي قتيلُ

بي نزاعٌ يطغى إليكَ وشــــوقٌ     وغـــــــــرامٌ وزفـــرةٌ وعـويلُ

ليتَ أنّي ضجيــعُ قبـرِكَ أو أنَّ     ثراهُ بمدمـــــــعي مطـــلـــــولُ

 

ومن أهم مراثيه نشيد الطف:

كربلا لا زلـــتِ كــــربًا وبلا     مالـــقي عندكِ آلُ المصـطفى

كم على تربِكِ لمَّا صُرِّعــــوا     من دمٍ سالَ ومــن دمعٍ جرى

كم حَصانَ الذيلِ يروي دمعُها     خدَّهـــــا عـــــند قتيلٍ بالظما

 

تمسحُ التربَ على أعجــــالِها     عن طـــــلى نحرٍ رميلٍ بالدما

وضيــوف لفـــلاةٍ قـــــــــفرةٍ     نزلــوا فيها على غيـــــر قرى

لم يذوقوا الماءَ حتى اجتمعوا      بجدى السيف على وردِ الردى

 

تكسفُ الشمسُ شمــوسًا منهم     لا تــــــــــدانيـها ضياءً وعــلا

وتنوشُ الوحشُ من أجسادِهم     أرجــــلَ السبـــقِ وإيمانَ الندى

ووجوهًا كالمصابيــــــحِ فمِن     قمـــرٍ غابَ ونجـــمٍ قد هــــوى

 

وفي قصيدة أخرى:

يا رســــولَ اللهِ لو عــاينتهم     وهــمُ ما بيـــنَ قتــلى وسـبا

من رميضٍ يُمنع الظلُّ ومن     عــــاطشٍ يُسقى أنابيبَ القنا

ومسوقٍ عــــــاثرٍ يسعى به     خلفَ محمولٍ على غيرِ وطا

لرأتْ عيناكَ مــــنهمْ منظرًا     للحـشى شجــوًا وللعيـن قذى

 

 

وحضر عند وفاته الوزير فخر الدولة وسائر الوزراء والأعيان والأشراف والقضاة حفاة مشاة وصلى عليه الوزير فخر الدولة ودفن في داره الكائنة في الكرخ قرب مسجد الأنباريين. وقد أكد كثير من المؤرخين نقل جثمانه إلى كربلاء بعد دفنه في داره، حيث قالوا: ولد 359 وتوفي 406 عن 46 سنة، ودفن بداره في بغداد ثم نقل إلى مشهد الحسين بكربلاء. 

الجريدة الرسمية