رئيس التحرير
عصام كامل

وماذا بعد الحوار الوطني؟!

بدأ الحوار الوطني بنجاح في 3 مايو الماضى، ولكن المهم ليس اختتامه بنفس النجاح الذى بدأ به ولكن المهم أن يتحول ما نتوصل إليه بعد هذه النقاشات إلى أجندة عمل ملزمة للجميع لأن من صاغها الجميع، لن أقول حكومة ومعارضة، ولكن سأقول كل أطياف الدولة المصرية الذين شاركوا فيها 
وهذه الخطوة هى التى ينتظرها الشعب المصرى الذى مل من الكلام و"الهرى" الذى بلا فائدة وهو منكفأ في أزماته اليومية.

 
لابد أن ندرك جميعا أننا لا نملك رفاهية الوقت لإضاعته أو لدينا رفاهية الانتظار إلى ما لا سيأتى.. العالم حولنا يلهث ويجرى بسرعة الفيمتو ثانية ونحن غارقون في مشاكل حقيقية أو وهمية، من صنعنا أو من تدبير غيرنا، لكن المؤكد أننا ساهمنا بنجاحها بغبائنا وكسلنا وتفرغنا للمهاترات.

 
الطريق الأصعب سيبدأ بعد انتهاء الحوار، فلن تذهب المعارضة أو من يظنون انفسهم منها سعداء بما تكلموا أو طرحوا أو تصايحوا، ولن تذهب الحكومة أو من يدافعون عن سياساتها سعداء بما عرضوا أو استعرضوا، لأن كل هذا لا يهم الملايين من خارج هذه القاعات.. الذين لا يريدون إلا شيئا واحدا: 
أن تنتج الماكينة القماش وينتظرون اللحظة التى صرخ فيها الفنان فؤاد المهندس في فيلمه الشهير 
كى يصرخوا معه: الماكينة طلعت قماش!


ببساطة علينا أن نبدأ مرحلة العمل الجاد التى يشترك فيها الجميع وعلى مختلف المستويات.. ما أسهل الحوار اليوم.. ما أسهل الكلام.. ما أسهل النقاش والزعيق في القاعات المكيفة لكن الأصعب هو الواقع وصعوباته.


علينا أن ندرك جميعا أننا لا نخترع العجلة أو نبدأ من الصفر.. لدينا منجزات وثروات كبيرة في مقدمتها الإنسان.. لدينا إنجازات وبنية أساسية تمت في السنوات الماضية اختصرت عشرات السنين وعلينا أن نستفيد منها، يعنى نعمل ونزرع ونصنع ونستثمر.

زراعة الصحراء بماء البحر


ولدى بعض الأفكار على سبيل المثال وهى مثل غيرها موجودة وأتمنى أن تجد طريقها ليس لتوصيات الحوار الوطني فحسب ولكن للتنفيذ على أرض الواقع.


فإذا كنا نعانى مثلا من أزمة مياه مثل العديد من دول العالم وعلى وجه الخصوص الماء الخاص للزراعة، فلماذا لا نزرع الصحراء بماء البحر ولدينا منهما الوفرة؟ ولماذا لاتكون أبحاث علماء الزراعة المصريين على بساط التنفيذ ومنها التى بدأت منذ أكثر من 40 عاما في هذا المجال وتكللت بالنجاح مثل تجارب عالم الوراثة الزراعية الشهير الدكتور أحمد مستجير ومشروعه الطموح الذى أطلق عليه مشروع زراعة الفقراء.

 

وجاء بعده وقبله الكثيرون من الباحثين في استنباط سلالات من القمح والأرز ونباتات أخرى صالحة للزراعة بماء البحر المالحة في الصحراء الجرداء القاحلة ودون حاجة حتى للتسوية يعنى بدون تكنولوجيات مكلفة لتحلية ماء البحر، لم نستفد منذ أكثر من 40 عاما من مثل هذه الأبحاث في حين استفادت منها دول كثيرة مثل الهند التي زرعت بمياه البحر مباشرة دون تحليتها، ونجحت في تحقيق الاكتفاء الذاتى عام 2004 لشعب يصل تعداده إلى قرابة 2 مليار نسمة، ثم تحولت بفضلها إلى دولة مصدرة للقمح بعد أن كانت مستوردة له.


وهناك في أدراج وزارة الزراعة ومعامل كليات العلوم والزراعة الكثير من الأبحاث التى يمكن بها أن نتحول إلى دولة زراعية كبرى في ظرف عام ودون أى تكاليف كبيرة والأمر لا يقتصر على زراعة القمح والأرز ولكن زراعة نباتات الأعلاف والنباتات سريعة النمو والانتشار التى تتحمل أعلى معدلات فقر التربة والملوحة والجفاف.

 

وهو ما يتيح إمكانية زراعة الأراضى الصحراوية وريها بمياه البحر بماكينات رى تقليدية لإنتاج المحاصيل الاستراتيجية والاقتصادية وتحقيق الاكتفاء الذاتى منها، والاستفادة بها في تربية الحيوانات والدواجن بالاضافة لزراعة العديد من أنواع النباتات والأشجار وغيرها لنسد بها فجوة الاستيراد التى ندفع فاتورتها غالية في استيراد اللحوم والحبوب.. إلخ.

عصر الصناعة 


وطبعا هذا المجال سيفتح آفاق ممتدة في الصناعات الزراعية والتى تعتمد عليها التى يمكن بها التحول إلى طاقة صناعية وزراعية كبرى.. وهذا المثال مجرد نموذج للاستفادة بالبحث العلمى وأبحاث العلماء المصريين من جهة ومن جهة ثانية الاطلاع على أحدث التكنولوجيات العالمية في مجالات تطوير الزراعة والصناعة.

 
العلم والمعرفة الأن على قارعة الطريق المهم أن نوجه أموالنا إلى الاستفادة منها، لتعلمها واستيرادها لتكون السنارة التى نصطاد بها بعيدا عن السمكة التى نأكلها ثم نبحث عن غيرها، ومن الزراعة والبحث العلمى يكون المحور المهم هو الصناعة وأعتقد لو وضعنا أمامنا هدف واحد هو الدخول بقوة إلى التصنيع المحلى والاستفادة من العقلية المصرية التى لو أرادت لصنعت المعجزات المهم أن يكون لدينا إرادة وإدارة وخطة عمل على الأرض مشروعات صغيرة ومتوسطة وكبرى.. وتوجد حلقات اتصال بينها متكاملة وعلينا أن نبدأ.


علينا الدخول أيضا إلى صناعات لا تحتاج إلى أموال كثيرة مثل البرمجيات والسوفت وير للكمبيوتر ولدينا آلاف الشباب العباقرة في هذا المجال.. علينا أن ندخل في صناعات مثل تحويل السليكون من الرمال لنعظم من حجم الاستفادة من ثرواتنا الطبيعية والاستفادة منها في صناعة الخلايا الضوئية والواح الطاقة الشمسية..

 


باختصار لا نصدر المواد الخام بتراب الفلوس ولكن نصنعها لتتحول إلى مليارات الدولارات والمهم أن ندخل عصر الصناعة، ليكن هدفنا كبير جدا، ليس الاكتفاء المحلى فحسب بل غزو العالم بمنتجات صنع في مصر.
yousrielsaid@yahoo.com

الجريدة الرسمية