رئيس التحرير
عصام كامل

رسالة إلى الرئيس عن صحة المصريين (2)

ونكمل الرسالة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي عن أحوال الرعاية الصحية الحكومية المتدنية، أعزكم الله وبارك لمصر فيكم، وجعلكم دائما سندا قويا للشعب، وقاضيا لحوائج ومصالح الناس، فبكل أسى وأسف المواطن المصرى الذى يُبتلى بالمرض مهما كانت درجة ثقافته ووضعه الاجتماعى يكون كمن دخل نفقا مظلما لا يعرف متى وكيف يخرج منه، ودعنا نبدأ المشكلة ونستعرضها من البداية فنجد أن كليات الطب فى حاجة ماسة إلى تغيير شامل في المناهج وطرق التدريس والتقييم والتدريب.. 

 

وقبل ذلك إعادة النظر فى طريقة الالتحاق بالكلية، بحيث لا تقتصر على مجموع الثانوية العامة فقط، ولكن لا بد من اختبار قبول بمعايير عالمية لتحديد الأنسب لامتهان الطب، وتراعي هذه المعايير درجة الأخلاق والإنسانية والرحمة عند من يتقدم بطلب الالتحاق بكلية الطب وذلك من خلال اختبارات للسمات النفسية والعصبية عند الطالب، لأنه ليس من اللائق أن يلتحق طالب بالطب وهو منعدم الإحساس بالرحمة والشفقة على المرضى.. 

 

حيث نجد أطباء في المستشفيات الحكومية لا يهتمون بالمرضى ولا يراعون الله فيهم، ولا يتألمون لأحوالهم المرضية، ويتركونهم للإهمال والألم ومن ثم الموت، ويكون تعاملهم بكبر وتكبر وتجبر مع المرضى والأهالي؛ مما يجعل الأهالي في بعض الأحيان يثورون على تلك المعاملة القاسية المتكبرة في ظل حالة هلعهم على ذويهم من المرضى.. 

 

فتحدث شجارات المستشفيات ويرفع الأطباء عقيرتهم بضرورة حمايتهم من الأهالي وهم من البداية لم يراعوا الله في المرضى ولا في ذويهم، ويجعلون أنفسهم فوق البشر، وهذا ليس من صفات الأطباء في أي مكان أو زمان.


وبعد اختيار طالب الطب بكافة المقاييس العلمية السليمة نأتي لمسألة راتبه الذي ينبغي أن يكون كافيا له ليعيش حياة طيبة، فلا يتكالب على العيادات الخارجية أو الإجهاد في عمل إضافي في عيادات أخرى، فعلى الرغم من حزمة التحسينات في مرتبات الأطباء إلا أن ذلك المرتب ما زال لا يكفل للطبيب حياة كريمة ويحفظ له كرامته، وينبغي النظر فى هذا الأمر بالتعاون بين نقابة الأطباء ووزارة الصحة ووزارة المالية لوضع التصور الأمثل لحل هذا الأمر..

القضاء على المجاملة 

وبعد أن يكفل له الراتب الكافي نبدأ المحاسبة بدقة متناهية، وهنا لا بد أن تكون جهة المحاسبة التي تمر على المستشفيات الحكومية من غير جهة الأطباء أو وزارة الصحة؛ لأن المحاسبة بين الأطباء فيها الكثير من المجاملة، فعندما يحاسب طبيب طبيبا على تقصيره يعلم أنهما ينتميان لنقابة واحدة؛ مما يجعل المجاملة حتمية..

 

وهذا ما نراه ظاهرا واضحا للعيان، فكل من يذهب للمستشفيات الحكومية يلاحظ في الغالب خلوها من الكثير من الأطباء في أوقات العمل الرسمية، حيث إن حضر بعضهم يوقع وينصرف لشأنه الخاص، وعندما تأتي لجنة تفتيش من وزارة الصحة مكونة من أطباء تجامل أطباء المستشفى المهملين؛ لأنهم تجمعهم الزمالة ولا تتخذ لجنة التفتيش أية عقوبات تجاه التقصير والإهمال وحجز غرف الرعاية للاستشاريين.. 

 

وعدم رعاية المرضى من الأساس أو الاهتمام بهم – وأنا هنا لا أتحدث سوى عن المستشفيات الحكومية فقط بكافة أنواعها التابعة للمجلس الأعلى للجامعات أو غير التابعة له– فينبغي أن تكون جهة التفتيش والتحقيق تابعة لجهة قضائية مثل النيابة الإدارية التي تقوم بالتفتيش ولا تحابي أحدا، هنا سينتظم سير العمل في كافة المستشفيات، ويقل الإهمال وتختفي ظاهرة غرف الرعاية المغلقة..

 

وفي حالة رفض الطبيب أو الأطباء ذلك، فعليهم تقديم استقالتهم من المستشفيات الحكومية، ووقتها تستطيع الحكومة أن توفر أطباء من شباب الخريجين، ليحلوا محل من يريد أن يلوي ذراع الدولة من أجل مصالحهم الشخصية، ووقتها ينبغي أن تفضح وسائل الإعلام هؤلاء المبتزين الذين يرفضون التفتيش من جهات قضائية ويهددون بالعصيان من أجل مصالحهم الشخصية وضد المرضى الفقراء؛ ليعلم الشعب حقيقة هؤلاء فلا يخدعونه بمعسول الكلام ليقف في خندقهم الخائن. 


وطبعا الانتظام في المستشفيات الحكومية المأمول، وحل مشكلات غرف الرعاية عن طريق لجان تفتيش من النيابة الإدارية لن يكلف الدولة شيئا، وإنما سيحل الكثير من تلك المشكلات دون ميزانية إضافية أو تكلفة مادية يتعلل بها المسئولون حتى لا يشرف جهات غير الأطباء على الإدارة الطبية، وليس بالطبع على الأعمال الفنية الطبية التي تستلزم أطباء خبراء، فنحن نقصر الإشراف القضائي على الإدارة من حضور وانصراف وتوجيهات مالية وإدارية..

 

 

أما الأخطاء الطبية الفنية فهي تخضع بالطبع لجهات طبية مختلفة. ثم يأتى بعد ذلك كيفية تدريب ومتابعة أداء هذا الطبيب طوال حياته المهنية، والبداية الصحيحة هى بالاهتمام بتخصص طبيب الأسرة الذى يتحمل العبء الأكبر فى تقديم الخدمة الصحية؛ ولذلك أدعو إلى تعميم هذا التخصص فى كل الوحدات والمراكز الصحية بجميع المحافظات، وعن طريق هذا الطبيب يتم تحويل المريض إلى أقرب اخصائي أو مستشفى فى المنطقة، وهذا يتطلب بالطبع إعداد قاعدة بيانات تفصيلية فى كل محافظة من أجل تخفيف العبء عن كاهل المريض الباحث عن العلاج.

الجريدة الرسمية