رئيس التحرير
عصام كامل

الغش جريمة تتوحش.. فلماذا لا تُغَلَّظ العقوبات؟!

منذ أيام وقعت حادثة صدمت مشاعرنا حين ضبطت الأجهزة 5 أطنان بودرة سيراميك ومثلها من قشر وكسر الفول السوداني في مصنع لإنتاج الطحينة.. والسؤال هنا: هل هذه أول واقعة من هذا النوع.. وإذا كان ما تم ضبطه بهذا السوء فكيف بما لم يتم ضبطه أو الإعلان عنه.. وتسرب إلى بطون الناس؟!
 

كيف ينام ملء جفنيه من يفسد بالغش حياة الناس.. حتى وصل الحال أن سمعنا أن هناك من يخلطون بودرة سيراميك بطعام العباد.. فيدمرون صحتهم ببطء مقابل كسب سريع وربح زائل لا يدوم.. والسؤال: لماذا لا يتم تشديد عقوبة الغش بحسبانها إفسادًا متعمدًا كما تفعل الصين مثلًا بإقرار الإعدام عقوبة للفاسدين.


أليس الغش إفسادًا في الأرض.. ألا يبدد غش الدواء فرص الشفاء.. ألا يدمر غش الطعام صحة الإنسان.. ألا يتسبب الغش في قطع غيار السيارات في حوادث قاتلة، ناهيك عن خسائر مادية باهظة وتعطيل الحياة.. أليس الغش في الامتحان يخرج جيلًا يسقط بالمجتمع وأخلاقه إلى الهاوية.. فكيف نأمن طبيبًا نجح بالغش على صحة الناس.. وكيف نطمئن لسلامة المباني مع مهندس تخرج بالغش.. وكيف نأمن لسلامة الدواء لصيدلي نال شهادته بالخداع والاحتيال..

تشديد عقوبة الغش

وكيف نأمن على عقول وأخلاق الطلاب بين يدي معلم حصل على شهادته بالتزوير. ما دامت محصلة الغش قتلأ وتدميرًا وإفسادًا.. فلماذا لا تكون العقوبة على قدر الجريمة.. عملًا بقول الخالق عز وجل: "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ" (المائدة:33).. لماذا نتهاون مع الغش حتى صار سلوكًا يستمرئه البعض ويتخذه وسيلة للتربح أوالترقي أو الصعود حتى ولو أنقاض البشر؟!


فإذا كان الغش أقصر الطرق لهدم المجتمعات والقيم والأخلاق.. فهل يكفي ما قرره  قانون الغش والتدليس رقم 48 لسنة 1941 والمعدل بالقانون رقم 281 لسنة 1994 من عقوبة هي “الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تتجاوز عشرين ألف جنيه أو ما يعادل قيمة السلعة موضوع الجريمة أيهما أكبر، أو بإحدى هاتين العقوبتين”. 


تشديد عقوبة الغش عموما، وغش الغذاء والدواء خصوصًا أمر بات ملحًا لا يحتمل التهاون أو التأجيل لردع ذوي الضمائر الفاسدة وما أكثرهم في الأزمات وتصاعد الغلاء.. وليست مشاهد لحوم الحمير والكلاب والأطعمة الفاسدة في مطاعم كبرى ومناطق شعبية، مرورًا بغش المياه المعبأة والأدوية، إضافة لتزوير البضائع والمنتجات، أو تقليدها، والتي طالت جميع القطاعات.. عنا ببعيد!! فهل يوجد مثلًا في القانون المصري مواد صريحة تعاقب على الاتجار في لحوم الحمير والكلاب؟! وإذا كانت الإجابة بالنفي فهل يتحرك البرلمان لاستحداث تعديلات تشدد عقوبة الغش لردع من تسول له نفسه الإضرار بصحة الشعب!

 


عقوبات الغشاشين والمفسدين لا تكفي للاطمئنان لردع تلك الظاهرة خصوصًا إذا ما أمعنا النظر في الظروف المحيطة من غلاء ووجود أكثر من 50% من الأنشطة الاقتصادية خارج نطاق الاقتصاد الرسمي، وهي ظروف تغري بالتمادي في الغش ما دامت العقوبة هزيلة.. ولا مناص من تشديد العقوبة وإظهار العين الحمراء للغشاشين لحماية المجتمع من هذا الفساد العظيم!

الجريدة الرسمية