رئيس التحرير
عصام كامل

القرآنيون بين المدرستين المصرية والسورية

ينقسم القرآنيون حول العالم إلى عدة مذاهب ومدارس ولكن أكبر مدرستين هما المدرسة المصرية والتي يتزعمها الدكتور أحمد صبحي منصور والمدرسة السورية ويتزعمها الراحل الدكتور محمد شحرور وهناك عدة اختلافات بين المدرستين.


فالمدرسة المصرية واضحة وبسيطة في تعاليمها وتعتمد على القرآن فقط في معرفة تعاليم الإسلام، ولا تقبل بأي حديث نبوي مطلقًا مهما كانت قوته حتى لو كان متواترًا، وتدرس القرآن من خلال «موضوعات» فحينما نريد أن نعرف رأي الإسلام في موضوع معين وليكن العدل مثلا يتم جمع كل الآيات المتفرقة في القرآن عن العدل ودراستها كوحدة واحدة لاستخلاص الحكم الشرعي فيه.


المدرسة المصرية ترفض النسخ أو «الإلغاء» في القرآن وتقول إن هذا لا يصح في حق المولى عز وجل بأن يفرض تشريعًا ثم يلغيه، وإنما تقول إن النسخ بمعنى الإثبات والكتابة وليس المحو أو الإلغاء فحينما أقول نسخت الكتاب أي طبعت منه نسخة ثانية وليس محوته.

 

الصلاة والتشهد في المدرسة المصرية 

تعتمد المدرسة المصرية الصلوات الخمس بكامل هيئتها على أساس أنها من السنة العملية المتواترة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بل تقول إنها من بقايا ملة إبراهيم - عليه السلام - مع الاختلاف في التشهد إذ يستبدلونه بالآية الكريمة «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ».

 

ويرجع ذلك من وجهة نظرهم إلى سببين: الأول هو الآية الكريمة « وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا» فلا يجوز ذكر أحد غير الله في الصلاة حتى لو كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والسبب الثاني من وجهة نظرهم أنه من المستحيل أن يصلي النبي على نفسه في التشهد حينما كان يصلي مثلنا، ولا ينطقون كلمة آمين بعد قراءة الفاتحة باعتبار أنها ليست من القرآن وأنها تشير إلى إله الفراعنة الوثني آمِن أو آمون والتي انتقلت إلى اليهودية ثم إلى المسيحية ثم الإسلام. 


أما المدرسة السورية فهي أكثر مرونة وتشَّعبًا من المدرسة المصرية، إذ تقول إن ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم أو ما فعله في حياته هو بمثابة تشريع أو قانون مدني لإدارة أول دولة مدنية في التاريخ، وبالتالي فإن الزمن يتجاوز هذا التشريع، لذلك وجب تطوير هذه التشريعات لاختلاف الزمان والمكان، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لجأ لتقييد الحلال في بعض الأحيان لضروريات تقتضيها الدولة المدنية.

 

الطبيعة النبوية والرسولية للنبي محمد في المدرسة السورية 

تقول المدرسة السورية أن للرسول صلى الله عليه وسلم طبيعتين: الأولى نبوية بشرية يجتهد فيها باعتباره رئيس للدولة وسياسي وقائدًا للجيش وأب وزوج وقد يخطئ حينما يتصرف باعتباره بشر أو نبي وقد ورد له لوم من الله أكثر من مرة في القرآن في بعض الأمور التي تصرف فيها بطبيعته البشرية أو النبوية.

 

كما أن الرسول له طبيعة أخرى رسولية وهي مقام إبلاغ الرسالة أو إبلاغ القرآن الكريم وهو معصوم فيها لذلك حينما يوجه الله له لومًا في القرآن يكون بالصيغة النبوية وليس الرسولية مثل «يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك» فناداه الله سبحانه وتعالى بـ يا أيها النبي وليس يا أيها الرسول لأن الأولى الخطأ فيها وارد أما الثانية فمعصوم فيها. 


كذلك تفرق المدرسة السورية بين الآيات التي تخاطب النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - باعتباره نبيًا وتلك التي تخاطبه باعتباره رسولًا فالأولى تعليمات أو أحداث خاصة به ليست ملزمة لجميع المسلمين أما الثانية فهي ملزمة لجميع المسلمين.

 

تطور الفقه عبر الزمن 

كما تنظر المدرسة السورية إلى الفقه على أنه علم متطور مثل الكيمياء، فعندما فسر علماء الكيمياء قديمًا الطبيعة إلى «هواء وماء ونار وتربة» كان هذا التفسير صحيحًا من وجهة نظرهم وحسب أرضيتهم المعرفية، ثم بعد ذلك تم اكتشاف المعادن فتم وضع جدول مندليف ثم جاءت المرحلة الأخيرة وتم وضع الجدول الدوري.

 

فلكل مرحلة يفسر علماؤها الطبيعة من خلال وجهة نظرهم والأرضية المعرفية المتوفرة في ذلك العصر، وكذلك الأمر بالنسبة للفقه حيث يُفسر من خلال الأرضية المعرفية المتوفرة وبالتالي فإن فقه الإمام الشافعي أو الأئمة الأربعة على الرغم من أنه كان صحيحًا وعبقريًا في زمانهم إلا أنه لم يعد صالحًا لزماننا هذا، وأن التطور المعرفي الهائل يفرض علينا وضع فقه جديد أكثر دقة ويلبي متطلبات العصر.


تقول المدرسة السورية إن الله خلق الكون ووضع له قوانين في غاية الدقة وكذلك القرآن دقيق كدقة الكون لأن الخالق واحد فكل حرف في القرآن له دلالة ومغزى، وترفض المدرسة السورية الترادف اللفظي في القرآن فأي تغيير في مبنى الكلمة يتبعه تغيير  في معناها ومدلولها فالإسلام غير الإيمان ويسطع غير يستطيع والسنة غير العام والقرآن غير الفرقان غير الكتاب.


تتفق المدرسة السورية مع المدرسة المصرية في عدم وجود نسخ في الإسلام أو بين الشريعة الواحدة لكنها تقول إنه يوجد نسخ بين الشرائع فعندما جاءت شريعة موسى - عليه السلام - كانت التعاليم شديدة ثم جاء النسخ والتخفيف بشريعة عيسى ثم جاء الإسلام بأخف الشرائع، وبالتالي النسخ يتم بين الشرائع، ولا يجوز في شريعة واحدة لأن هذا يعتبر «بِداء» لا يصح في حق المولى عز وجل أي أنه لا يجوز لله أن يفرض تشريعًا ثم يبدو له أن هذا التشريع غير مناسب فيستبدله بتشريع آخر.


هذا جزء يسير من تعاليم القرآنيين وإن كانت هناك تفصيلات عديدة لا يسع المكان لذكرها على أمل أن نلقي الضوء عليها في مواضع أخرى.

الجريدة الرسمية