رئيس التحرير
عصام كامل

إعادة تدوير السوشيال ميديا

كانت الحملة الذكية التي أدارها صناع مسلسل جعفر العمدة علي السوشيال ميديا أهم من المسلسل ذاته، فقد أغرق السوشيال منذ البداية بمقتطفات عن الأحداث بطريقة جذابة نجحت في جرجرة الناس للتفاعل معه، وبغض النظر عن القيمة الفنية للعمل فإن هذه الحملة تحسب لهم في الدعاية وسط زحمة مسلسلات رمضان باستغلال ما يسمي بعقلية القطيع..

 

فقد أصبحت السوشيال ميديا هى الوسيلة التي يتم بها التحكم في توجهات الجمهور، ونسب المشاهدة التليفزيونية في الفترة الأخيرة، لذلك من يتحكم فيها يستطيع أن يُنِجّح عمله الفني ، فظهرت مؤسسات كاملة تحارب من أجل الترويج لأعمالها، وهنا ظهرت  اللجان الإلكترونية وهم أشخاص ينشئون حسابات وهمية على مواقع التواصل تعمل على تمجيد العمل من خلال رسائل مبرمجة بكلمات معينة، للتأثير إيجابيًا على الجمهور المستهدف..

 

وبدون السوشيال ميديا ما كان وصل أعداد المتابعين لأعمال الدراما لهذا العدد الكبير، كما يسعي كل نجم للتسويق لعمله على طريقته الخاصة والمختلفة لجذب أكبر عدد من المشاهدين إلى المسلسل الخاص به، من خلال نشر الكواليس لحظة بلحظة، وتدشين صفحات رسمية للمسلسلات، وتعريف الجمهور بشخصياتهم داخل العمل ولهذا كله، فقد أصبح المشاهد شريكا فى الدراما..

ثقافة القطيع
 

 بالإضافة إلى ما يمكن توظيفه من لجان، تلعب دورا دعائيا في الترويج لبعض المسلسلات أو النجوم، وإن كانت هاتان اللجنتان تفقدان مع الوقت قدرتهما على تغيير واقع الأعمال السيئة، أو تنجيم من لا يستحق، لكنهما تلعبان دورا لا يمكن تجاهله، ولم يتوقف عند صناعة الترويج لمسلسل العمدة بل الأمر نفسه يتكرر في القضايا السياسية، أو الاقتصادية، أو الدينية، أو الطبية التي تتطلّب قدرا كبيرا من المعرفة والإدراك، فضلا عن الصبر..

 

لكن هذا ما لا تدعمه ثقافة القطيع فالأسبقية أهم من الحقيقة، وجذب المتفاعلين أهم من إفادتهم، ليصبح الهاتف الذكي صالونا افتراضيا للسجال يلازم المرء في كل أحواله الزمانية والمكانية، الأمر الذي يقودنا للبحث حول هذا العالم الجديد؛ عالم الشاشة الافتراضي فالمتابع بمجرد أن يسمع الخبر سواء كان عالميا أم محليا تجده يسارع لفتح شبكات التواصل، لا ليبحث عن تحليل متخصص، بل ليرى تعليقات الناس وردود أفعالهم.. 

 

وقد ينخرط فيها، فتُثير التعليقات ردودا، وردودا على الردود، في متتالية تعليقية متناسلة لا تتوقف ذلك ان العقل الجمعي (والذي يسمي سياسةَ القطيع) يقول: أنا أتصرَّف على نحوٍ سليمٍ حين يكون سلوكي مشابِهًا لسلوك الآخرين. وبعبارةٍ أخرى: كلما زاد عدد الناس الذين يعتقدون في صحة فكرةٍ ما، زادَتْ صحةُ هذه الفكرة.ولنفترض أنك في الاستاد ووجدت مجموعةً يحملقون جميعًا في السماء. من دون تفكيرٍ ستنظر أنت أيضًا إلى الأعلى.

 

وهو نفسه ما يبرر التصفيق إذا بدأ أحد في حفلة ما التصفيق، هذه التفاهة قد أدّت إلى صعود قواعد تتسم بالرداءة والانحطاط  في كل الميادين، ومن ضمنها ميدان التواصل الاجتماعي على المواقع الافتراضية. فقد تدهورت متطلبات الجودة العالية، لذا لم يكن من الغريب أن يُعلّق الكاتب الإيطالي الكبير "أمبيرتو إيكو" قائلا: 

 

 

"إن أدوات مثل تويتر وفيسبوك منحت حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد كأس من النبيذ، دون أن يتسبّبوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فورا، أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل مَن يحملون جائزة نوبل، إنه غزو البلهاء! 

وهو ما لخصه القرآن بقوله (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ)

الجريدة الرسمية