رئيس التحرير
عصام كامل

أفقر شعراء المحروسة، انتهى بمستشفى الأمراض العقلية، اليوم الذكرى الـ 80 لرحيل أشهر صعاليك الشعراء عبد الحميد الديب

شاعر البؤس عبد الحميد
شاعر البؤس عبد الحميد الديب، فيتو

عبد الحميد الديب.. قالوا عنه أنه أفقر شعراء المحروسة فقد عاش فقيرا بائسا لم يحقق أيًّا من طموحاته وآماله في الدنيا ومات فقيرا بائسا لايملك ثمن كفنه ليتكفن له، ذاق مرارة الجوع والحرمان ودخل السجون والمصحات العقلية بسبب تشرده وصعلكته، ابتسم له الحظ ثلاث مرات؛ الأولى حين التقى سيد درويش والثانية حين تزوج زوجته احسان والثالثة في عثوره على وظيفة.
 

تمر اليوم الذكرى الـ 80 لرحيله، فقد ولد عبد الحميد الديب فى قرية كمشيش بالمنوفية لأسرة فقيرة عام 1898.. الأب يعمل فلاحا كانت أمنيته أن يجد ابنه أزهريًّا، وتربى على البؤس، كان يعمل مع أبيه صبى جزار فى القرية حتى شب شاعرًا حزينًا باكيًا، نال شهادة متوسطة من المعهد الأزهري ثم التحق بمدرسة دار العلوم العليا، لأنها كانت تصرف وجبة غذاء وسكن حارة فى قصر الشوق بالقاهرة، وعاش حياة بائسة، وعن حجرته الفقيرة، كتب يقول: تعلمت فيها صبر أيوب على الضنى..وذقت هزال الجوع أكثر من غاندى / جوارك ياربى لمثلى رحمة.. فخذنى الى النيران لا جنة الخلد. 


قرأ  أمهات الكتب، التقى سيد درويش على مقهى فى حى بولاق وهو حائر فى  شطر أغنية فأكملها له الديب “والله تستاهل ياقلبى.. ليه تميل ما كنت خالى”، وأصبحا أصدقاء.

 وانتقل عبد الحميد الديب للعيش معه فى مسكنه وعاش حياة النعيم مع سيد درويش، وبعد رحيل سيد درويش عام 1923 عاد الديب الى حياة الصعلكة بلا عمل أو مورد.

ديوان ثورة المحروم 

قضى سنوات عمره هائما على وجهه شاردا شريدا مشردا يصول ويجول فى أزقة وعطوف مصر بلا هدف، ـرحل فى مثل هذا اليوم الثالث من أبريل 1943 – أشهر صعاليك الشعر بعد انفجار في شرايين القلب وحيدا حتى إنه لقب بشاعر البؤس  شاعر الحرافيش وقال عنه الشاعر كامل الشناوى يوم مماته: اليوم مات شاعر تعرى واكتست الأضرحة وجاع وشبعت الكلاب.
كتب الديب أول دواوينه الشعرية بعنوان (ثورة المحروم)، ونظرا لثيابه المهلهلة حكم عليه الناس بالجنون وأودعوه مستشفى الأمراض العقلية.
وصفه الشعراء من زملائه بأنه موهبة ومعجون بالإبداع والعبقرية وله لسان بليغ، صاحب الكثيرين من علية القوم من سياسيين ووزراء وكتاب وشعراء وأدباء لكنهم لم ينفعوه فى شيء ولم يمد أحد له يد العون، كان لا كرامة له فى وطنه.

مأساة شاعر الحرافيش 

نعاه زكى مبارك فى حفل تأبينه ونشر نعيه فى كتاب “مأساة شاعر الحرافيش “يقول فيه: إن الأديب الحق ليس أسيرا للوطن ولا أجيرا للمجتمع وعبدالحميد الديب لم يقتل نفسه عامدا متعمدا فانتم خدعتموه وضللتموه، ورفضتم أن يستغيث بمعروفكم يا أسخاء قتلتم القتيل ومشيتم فى جنازته ــ موجها كلامه إلى معارف وأقارب الديب ــ ويقول ياقاتليه لن ننجيكم من غضبتى عليكم واعلموا أن بكاءكم فى هذا الاحتفال سيمر بلا ثواب.

كيف نعاه الكتاب 

وقال عنه كامل الشناوى (اليوم مات شاعر تعرى واكتست الأضرحة وجاع وشبعت الكلاب).
ونعاه الكاتب محمود السعدنى بقوله: كتب على عبد الحميد الديب أنه يعامل كمتسول وبائس وفقير، لا ينبغي أن يصدر له ديوان ولا يصح أن يكون له تاريخ أدبي، ولو وجد الشاعر عبد الحميد الديب في بلد مثل فرنسا لتألفت باسمه جمعيات وأقيمت ندوات ولأصبح له مطاعم يرتدى فيها جرسونات ملابس المتسولين ويقدم فيها الطعام في صحون من الفخار، ولتألفت جمعية للتأليف تحمل اسمه ودار نشر تهتم بمؤلفاته وتدرس ظروف حياته ومن خلالها تدرس ظروف عصره.

نوادر الديب 

حدث أن «الديب» وجد المسحراتي في رمضان يستثنيه من بين سكان الحى الذى يطوف به، وينادي عليه لتناول السحور ويمدح جودهم وكرمهم، فلم يجد الديب سوى أن يتفق مع المسحراتى على إيقاظه من النوم مع ذكر اسمه وصفته كشاعر مع دقة خفيفة على طبلته، ودفع له قروشًا زهيدة، ووافق المسحراتى.

وفى إحدى الليالى فوجئ بالمسحراتى يواصل مهمته بشكل متكرر مع الدق المستمر على الطبلة، مما استفز الجيران، وأطل بعضهم يلعن سلسفيل جدود الديب ويسخرون من مهنته كشاعر، ونزل الديب يسأل المسحراتى: ماذا حدث؟ لقد اتفقت معك على النداء باسمى مع دقة خفيفة فقط؟ فقال المسحراتى: علمت أنك على وشك السفر إلى بلدك «كمشيش»، فقلت أخلص ذمتي وأعطيك حقك دفعة واحدة.

طرائف مضحكة فى حياة الديب 

مر الشاعر عبد الحميد الديب بطرائف مضحكة في حياته، فمثلا سأله الشاعر كامل الشناوى يومًا عن أهم الخطوط العريضة فى شخصيته، فابتسم قائلا: "خط الفقر"، ولما أهداه أحد الأشخاص حلة جديدة بدلا من ثيابه المهلهلة قال له الشناوي: أراك متنكرا ياديب.
 أيضا ذهب إبراهيم عبد القادر المازنى مع الديب للغذاء فى وليمة أعدها إبراهيم دسوقى أباظة فخلع الديب طربوشه قبل الغداء والتهم كل أنواع الطعام وعندما هم بالانصراف وضع طربوشه على رأسه، وقال:"الطربوش ضاق كده ليه"؟!، فقال المازنى: "يمكن رأسك كبرت من كتر الأكل".

شاعر البؤس 

وذات يوم تناول الديب خمرا فى إحدى الخمارات ولم يستطع دفع الحساب، واقتادته الشرطة إلى السجن، فكتب يمدح السجن ويقول:
"له بفؤادى لذة ووجيب... ومنه لقلبى بلسم وطيب
ملات به الدنيا هوى وصبابة... وهلهلت فيه الحب وهو جنيب".


وعندما التحق شاعر البؤس بمستشفى الأمراض العقلية فكتب يقول:
"رعاك الله مارستان مصر... فإنك دار عقل لاجنون
حويت الصابرين على البلايا... ومن نزلوا على حكم السنين".

الجريدة الرسمية