رئيس التحرير
عصام كامل

معني التطبيع السعودي الايراني

قرارات القيادة السعودية دائما مباغتة وحاسمة وخارج المألوف منذ تولى الملك سلمان، ولا نكترث لثوابت عتيقة في نظام الحكم وليس في السياسة أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون، هناك دائما مصالح دائمة ودول الجوار يتقدمون بخطى ثابتة على جميع الأصعدة ورغم ما فعلته إيران مع السعودية علي مر عقود ودعمها الشيعة وحرق سفارتها بطهران وحربها بأيد الحوثيين، لكن السعودية فضلت التغاضي والقبول بتغيير عالمي جديد متعدد الأقطاب خارج الهيمنة الأمريكية.

 
ومن أشد وأخطر ألاعيب السياسة السوداء تهيئة الطرح والتعبئة والتكتيك باتجاه بينما الهدف المنشود عكس الاتجاه تماما، كانت معظم التقارير السياسية في اتجاه واحد فقط، خاصة بعد زيارة وزيري الدفاع والخارجية الأمريكي لتوجيه ضربة لإيران، وفجأة عادت العلاقات الإيرانية السعودية بمبادرة صينية، وظني أن مسألة ضرب منشآت إيران النووية واقع لا محالة فقط مسألة وقت.. 

 

وهذا الحدث سيخلط كل أوراق اللعبة عالميا والسعودية ببساطة تحاول الخروج من كل النيران المشتعلة في المنطقة. وخلال عام واحد مصالحة مع قطر. ومصالحة مع تركيا وإيداع 5 مليار دولار في المركزى التركي من أيام فهي تريد حلحلة المشاكل التى تكبلها لتنطلق.. فهى تشعر الآن أنها فتية وقوية وقادرة على بدء مرحلة ذات قدر كبير من الاستقلال في قرارها السياسي وعدم الاعتماد الكلى على الولايات المتحدة لحمايتها.. 


وكانت الخلافات السعودية الايرانية كلها من تأليف وإخراج أمريكا وما حدث رسالة موجهة من الصين لأمريكا الإتفاق تم في بكين وهذه خطوة جديدة للصين نحو الحلول محل أمريكا، فالعالم يتغير وفكرة القطب الأوحد بدأت في التلاشي، وما يحكم أي توجه أو تصرف لدولة قوية كالمملكة العربية السعودية نابع من تغليب مصلحتها قبل أي شيء.. 

عالم متعدد الاقطاب

وعلى كل حال فإن الاتفاق تم بموافقة الولايات المتحدة كجزء من استراتيجية جديدة لإحتواء إيران والسعودية مستفيدة فلم تجني شيء من حربها في اليمن، وأثبتت إيران دورها الفاعل في البحر الاحمر بدعمها  للحوثيين. 

 

كما يأتي في وقت بدأ العالم فيه التعددية القطبية، فالأمر جاء بعد وساطة صينية ستستفيد منها بالقطع وأساسا روسيا، وستتغير المعادلة كلها ولكن المهم من يصمد بينما هناك من يري أن السير على خطي معاداة أمريكا علي طول الخط قد ينتج عنه رد فعل سئ لا تتحمله السعودية ولا المنطقة، وخصوصا أن من يتزعم هذه المبادرة دولة مثل الصين، وهي من تقود السعودية حاليا إلي تصدير الأزمات لأمريكا سواء اقتصادية تخص البترول أو أزمات سياسية تخص علاقات وتحالفات جديدة علي غير الخارطة.

 

ومن هنا فإن اتفاق السعودية وإيران يجعل السعودية خارج نطاق رد الفعل الإيراني في حال ضرب إيران من قبل أمريكا وإسرائيل، السعودية تحاول الخروج من أغلب الازمات المشتعلة فى المنطقة لتستعيد قوتها وسوف تتحالف مع القوى فقط. تخرج من اليمن وترفع يدها عن لبنان. وكذلك عن المعارضة في سوريا وكذلك دعم السنة في العراق ولن تدعم هادى في اليمن.

 

وهي ترى أنه قد تستطيع التعامل مع النظام الشيعى في الإطار البراجماتى وغدا سينتهى من الخطاب الدينى الذى كان يقول أن الشيعة أخطر على الدين من اليهود. ولذلك ستكف عن دعم الأنظمة السنية في الدول الاسلامية والتى لا تحقق نجاحا وقوة وتظل تعتمد عليها. وستدعم أى نظم أخرى ترى أنها قوية ببساطة وبراجماتية متناهية ستتخلص من اعباءها والمعتمدين عليها للحياة..

 

وهذا يفرض علينا إعادة فهم وصياغة العلاقات مع الخليج الجديد.. وإعادة تقييم علاقاتنا بايران التي لا أري أي سبب أو عائق يقف أمام إعادة العلاقات معها وكان من الخطأ الاستراتيجي تجميد علاقة مصر الدبلوماسية والسياسية مع إيران فالدول حتى المتخاصمة والمنتنافسة تظل حريصة على العلاقات الدبلوماسية، ولو إنضمت  مصر لثلاثي تركيا - إيران- باكستان سوف يكون لهم الهيمنة الاستراتيجية علي المنطقة، وتكون أمريكا خارج الملعب الاقليمي..

 

 

خاصة في ظل ضعف الإدارة الامريكية الحالية وبالتالي سيخرج الدولار من الهيمنة علي الاقتصاد المصري بصورة بشعة، من جهة أخري قد يري البعض أن احتياج أمريكا وإسرائيل الاستراتيجي لمصر يزداد بعد الاتفاق وتصاعد التنسيق بين السعودية والصين، وهو ما يوفر لمصر فرصا أخري في اتجاه آخر وآليات أخري.. عامة كل موقف يوفر فرصا ويخلق تحديات، المهم هو التعامل والادارة الجيدة لهذا الموقف.

الجريدة الرسمية