رئيس التحرير
عصام كامل

اعترافات كاتب خائن

الكتابة تشبه الصيد. تحتاج التزام الصبر -التفكير- إلى أن تحين فرصة الانقضاض على الفريسة -الفكرة-، أما ما أفعله أنا منذ سنوات فيشبه إطلاق النار بشكل عشوائي -كتابة متواصلة بلا عقل-، فأنا أكتب وأكتب وأكتب - حتى أنني في بعض الليالي أكتب حتى أفقد الوعي - فيحدث أحيانا أن اقتنص شيئا قيما لكن دون مهارة مني.. إنها مسألة مصادفة لا أكثر.

 

قبل سنوات قليلة، كنت أعاني مشاكل جمة -اجتماعية، نفسية، مادية-، ولم يكن أمامي إلا أن أبحث عن مخدر يفصلني عن العالم، ففكرت في أن ألعب لعبة.. وهي أن أسهر حتى ساعات متأخرة من الليل -أو متقدمة من الصباح- وحين أشعر بانني قد فقدت صوابي، وبدأت في مرحلة الانهيار العصبي، أشرع في الكتابة.

 

في تلك المرحلة انتجت العديد من الكتابات -غالبيتها نفسي، وبعضها مرعب-، وحين كنت أعاود قراءتها لا اتعرف عليها، صحيح أنها تحمل الدي إن إيه الخاص بقلمي، لكنها لا تشبهني.. لهذا كنت في الغالب أحذفها، أو ألقي بها إلى سلة مهملات لحين التخلص منها.

 

وفي مرحلة أخرى من حياتي، كانت شهوة الكتابة تسيطر علي ، فأكتب كلما أتيح لي ذلك، وإن لم تكن هناك فرصة للكتابة أوجدتها..

 

أعمل في واحدة من المهن التي تعتمد على الكتابة -الصحافة-، وأعمل على زيادة دخلي عبر مهن عديدة -  دون تفرغ - تعتمد على الكتابة أيضا -مثل كتابة المحتوى، والإعلانات-.. ولا أتوقف عن الكتابة أبدا، حتى أنني في وقت فراغي.. اكتب.

 

أكتب ما يجول في خاطري -حتى لو كان مجرد بوست في فيسبوك-، وأنشر ما يليق نشره -فكثير من بنات أفكاري قليل الأدب-.. أكتب القصة والسيناريو، ولدي مشاريع روايات غير مكتملة.. أحب الكوميديا والسخرية لدرجة الجنون، ومع ذلك حين كتبت أول سيناريو فيلم كان غارقا في المآسي. أنا مغرم بالكتابة، أو ربما لبسني عفريتها.. لا تهم جودة ما أكتب، فقد أكتب اسوأ ما يمكن كتابته يوما، وقد أكتب شيئا يدهش القارئ.. لا يهم، المهم أنني أكتب.

نعم أحب الكتابة حد العشق، فأنا أكتب بلا توقف، ولا أراجع ما أكتب.. وأشرع في نص ولا أكمله، لهذا كله أرى في نفسي -مخلص للكتابة، خائن للنص-.

هذه اعترافات رجل بائس فتن بالكتابة فباعها روحه، لكنها لم تكن الشيطان الذي يشتري أرواح اليائسين.. فقط منحته النشوة وسلبته عقله، فبات يكتب لأجل الكتابة.

الجريدة الرسمية