رئيس التحرير
عصام كامل

أسرار ورموز مسلسل 1899

كما لوحات التشكيليين، يمكن النظر إلى العمل الفني الجيد (بما في ذلك المكتوب والمسموع والمرئي) على أنه كائن حي لديه القدرة على التلون والتشكل، حسب وجهة نظر المتلقي، فأنت ترى داخلك في هذا العمل، سواء كان رواية مثلا أو فيلما أو لوحة مرسومة. وفي مسلسل 1899 الذي يعرض على منصة نتفليكس للبث التدفقي في ثماني حلقات، يمكنك رؤية الكثير والكثير، وفي السطور التالية أقدم لك تحليلا، هو خلاصة الفرجة والتأمل، ومحاولة فهم المعاني والرموز التي دسها صناع العمل بين ثناياه.

عنوان المسلسل

ولتكن البداية بعنوان العمل،  فاختيار الرقم 1899 ليس أمرا عشوائيا، واستنادا إلى فكرة العمل وفلسفته، التي سنأتي لها لاحقا، يمكن النظر لهذه السنة على أنها الحد الفاصل ما بين القرن التاسع عشر حيث الخرافات والأفكار الجامدة والقرن العشرين، عصر العلم والمعرفة والتكنولوجيا.

وبمتابعة الأحداث، ستدرك أن ما يحدث لكل الشخصيات هو بمثابة عقاب ينزل بهؤلاء الباحثين عن الحقيقة، فلكل شيء ثمن، وثمن الحقيقة والمعرفة قد يكون قاسيا ومكلفا لأبعد حد.

هل هو امتداد لمسلسل دارك؟

ربما تسبب ترديد عبارة أن العمل يأتي من صناع مسلسل دارك الشهير باران بو أودر، ويانتيه فريزه، أن بينهما علاقة وأنك لكي تفهم 1899 عليك أولا مشاهدة المسلسل الذي عرض من قبل على نتفليكس، غير أن ذلك ليس صحيحا، فصناع العمل هنا وهناك هم أنفسهم، لكن لا صلة غير ذلك بينهما، سوى أن العملين دارك و1899 من الأعمال التي تعتمد على الغموض والتشويق.

قصة مسلسل 1899

وقبل الخوض في باقي المعاني والرموز، دعونا نستعرض بشكل مختصر العمل، والذي يقدم لنا مجموعة من المهاجرين الأوروبيين وهم على متن سفينة في طريقهم إلى نيويورك، والذين يجدون أنفسهم في موقف معقد للغاية، حيث تتعطل سفينتهم قرب سفينة أخرى، كانت قد فقدت قبل أربعة شهور من إبحارهم.. وهكذا يجد هؤلاء الهاربين من ماضيهم أنفسهم في ورطة، حين يقرر قبطان السفينة العودة بهم إلى أوروبا، ثم تتعقد الأحداث مع عدد من الظواهر المخيفة، تبدأ بمقتل مريب لطفلة، عقب استقدام طفل هو الناجي الوحيد من السفينة المختفية، ثم يتوالى الموت الذي يطال الجميع، عدا نفر قليل من بينهم القبطان إيك لارسن والطبيبة مورا فرانكلين.

 

تكتشف مورا أن السفينة التي تقلهم سيربيروس وكذلك السفينة المختفية بروميثيوس يمتلكهما والدها، وتخبر القطان بذلك، وبأن ما يحدث لهم هو أمر دبره والدها، الذي يسعى لاكتشاف كيفية عمل الدماغ البشري، وكيف يفكر الإنسان.

 

تتوالى الأحداث وتكتشف مورا أن الطفل الذي وجدوه في السفينة المختفية هو إبنها، وهكذا تسير الأمور وتدور في حلقات مفرغة، فكلما حاول أحدهم مغادرة السفينة لاكتشاف الحقيقة أو للهرب من الموت عاد إليها، عبر أنفاق وأبواب سحرية متصلة بالعالم الخارجي، وبعضها يفضي إلى الماضي.. وأحيانا المستقبل.

كهف أرسطو

تعتمد فكرة المسلسل على ما يعرف بـ كهف أفلاطون، والذي يرمز إلى أن نفس الإنسان داخل جسده، أشبه بسجين مقيد بالسلاسل، وتم وضعه داخل كهف، ومن خلفه هناك نار ملتهبة تضيء الأشياء وتطرح ظلالها على جدار أمامه، فهو لا يرى الأشياء الحقيقية بل يرى ظلالها المتحركة، ويظن أنها الحقيقة. أي أن كل ما تراه شخصيات المسلسل ليس هو ما يحدث بالفعل، بل هو مجرد ظلال للأحداث الحقيقة، فيما يرمز الكهف إلى العالم المحسوس، والظلال هي المعرفة الحسية، والأشياء الحقيقية التي تحدث هذه الظلال هي المُثُل.

رموز ومعاني

السفينة سيربيروس، مأخوذة عن الأساطير اليونانية، وتعني الكلب متعدد الرؤوس الذي يحرس بوابات العالم السفلي ويمنع الموتى من المغادرة. السفينة بروميثيوس، أيضا من الأساطير اليونانية، ويعني الاسم إله النار في تيتان، وهو الذي سرق النار من الآلهة ليعطيها للبشرية، من أجل الحصول على المعرفة والتكنولوجيا والحضارة.

 

الهرم الأسود أو المثلثات المتساوية الأضلاع في وضعين متعاكسين، والمثلث الذي يقطع ضلعيه خط مستقيم يوازي الضلع الثالث، وهذه الرموز تمثل العناصر الأربعة الأرض والهواء والماء والنار، وهي المواد المستخدمة في الكيمياء.

السفينة كرمز، يمكن النظر إليها على أنها العالم الذي نعيش فيه، حيث مختلف الأجناس، من الشرق إلى الغرب والشمال إلى الجنوب، ومختلف الألسنة واللغات.

نهاية المسلسل

مع نهاية العمل ستكتشف أن كل ما يحدث هو مجرد محاكاة تدور في عقول شخصيات المسلسل، الذين يعيشون فعلا في العام 2099، وأن من صنع هذه المحاكاة هي مورا، وذلك كي تستطيع أن تعيش مع إبنها الذي يحتضر، والمصاب بمرض عضال.

وهذه النهاية تحمل العديد من التقلبات، فمع بداية الأحدث، تظن مرورا أن كل ما يحدث هو من تخطيط والدها، بينما الحقيقة أن والدها ضحية لها، وهو حبيس في هذه المحاكاة مثل الباقين.. ومع قرب نهاية الأحداث سيعرف الطفل أن والدته هي السبب في ما يعانيه، لكونها هي من صنع هذه المحاكاة، لكن في النهاية سيتضح أنها صنعت ذلك من أجل إبقائه حيا ولو في ذهنها.

الجريدة الرسمية