رئيس التحرير
عصام كامل

قتل المصريين برعاية الحكومة

أجزم أنه لا سبيل أمام الحكومة والبرلمان للقضاء على فوضى التلاعب فى الغذاء فى هذا البلد، سوى بتشريع رادع يعادل عقوبة القتل العمد، بعد أن باتت صحة المصريين مستباحه من طائفة من معدومى الضمير، فى ظل قانون ضعيف لا ترتقى عقوبته إلى مخالفة ارتداء الحزام فى قانون المرور الجديد. فمنذ عدة سنوات وكافة شوارع مصر تعج بآلاف السيارات المحملة بمكبرات الصوت، تعلن فى تبجح عن شراء زيوت الطعام المستعملة، وسط استجابه غريبة من المواطنين على ببيعها طمعا فى مقابل تافه، دون دراية أنها تعود إليهم في صورة قنابل صحية مميته.

 

ولعل ما يدعو للأسف، أن كافة أطراف مافيا الزيوت المستعملة يعملون جميعا فى العلن ودون أدنى رقابة من الدولة، التى تمتلك من الكوادر والامكانيات ما يمكنها من وقف تلك المهزلة، ولاسيما وأن الحقيقة المرة وغير المعلنة تؤكد أنه يتم جمع كميات ضخمة من تلك الزيوت السامة من منازل مصر يوميا، وتوريدها إلى مصانع تعمل تحت بير السلم، تقوم بإعادة تكريرها باستخدام مادة شديدة الخطورة تسمى سليكات الأمونيوم أو كما يطلق عليها تجاريا تراب التبيض لها القدرة على تنقية تلك الزيوت من الشوائب واعادتها للون الذهبي الشفاف، غير أنها تغير من خواصه الفيزيائية بشكل كامل تجعله غير صالح للاستخدام الآدمي على الإطلاق.

 

ورغم ذلك تقوم تلك المصانع في غيبة من الحكومة، بإعادة  تعبئة تلك الزيوت، وتوزيعها على مطاعم الفول والطعمية والكبدة والدواجن المقلية، وغيرها من المحلات التى تستخدمه  فى إنتاج الآف الأطنان من المنتجات الغذائية التى يتناولها المصريين يوميا.

تسمم غذائي

ولعل ما يدعو للعجب فى أمر ما يتم فى مصر، أن كافة الدراسات العلمية التى تمت على تلك الزيوت قد قطعت بخطورة إعادة إستخدامها، لاحتوائها على بكتيريا تؤدى إلى التسمم الغذائى، ونسب عالية من الشقائق تؤدى إلى الإصابة بالسرطانات المختلفة، بالإضافة إلى زيادة نسبة الدهون الضارة التى تؤدى إلى إرتفاع نسبة الكولستيرول، والإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وتصلب الشرايين وتليف الكبد والسمنة المفرطة.

وحتى نعى حقيقة المكاسب الضخمة التى تحققها مافيا الزيوت المستعملة، دون النظر إلى الكوارث التى تعود على صحة المصريين، فإن الأرقام تؤكد أن الآف السيارات تعمل فى الوقت الحالى فى مهنة جمع الزيوت المستعملة، وأن السيارة الواحدة تجمع ما بين 300 و500 كيلو جراما يوميا، حيث يتم شراء الكيلو جرام الواحد  بسعر 15 جنيها، وتوريده لمصانع بير السلم بسعر 20 جنيها، التى تبيعة للمطاعم بعد إعادة تبيضه بسعر يزيد عن ال 46 جنيها للتر الواحد زنة 900 جرام، بعد تعبئته فى جراكن كبيرة سعة 18 لتر تباع بسعر 830 جنيها للجركن الواحد، أى أن تلك المافيا تحقق مكاسب تصل لنحو 600 جنيه فى كل جركن.

 

المؤسف أن أمر تلك الزيوت الكارثية تم طرحة منذ عدة أشهر أمام مجلس النواب، من خلال طلب إحاطة تقدم به النائب أيمن أبو العلا لرئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي ووزيرة الصحة السابقة هالة زايد، غير أن الأمر انتهى للأسف إلى لا شيء، فى الوقت الذى حاول فيه مسئولين بالغرفة التجارية المصرية إقناع الرأي العام -على عكس الحقيقة- بأن تلك الزيوت يتم تجميعها وتصديرها للخارج لتصنيع الوقود الحيوي، أو استخدامها فى الداخل لتصنيع الصابون ومنتجات التجميل، فى حين أن كل المعلومات تؤكد أنه مصر لم تصدير شحنه واحدة من الزيوت المستعملة للخارج، وأن استخدام تلك الزيوت فى صناعة الصابون أو أدوات التجميل يعد بمثابة كارثة صحية تؤدى إلى إصابة المستهلك بأمراض جلدية خطيرة.

 

العقل يقول إن كانت الحكومة تريد خيرا بهذا الشعب، فلا مفر من تفعيل دور الأجهزة الأمنية والصحية والمحليات فى ضبط كل السيارات والمصانع التى تعمل فى جمع وتكرير وتعبئة وتوزيع الزيوت المستعملة، وتغليظ عقوبة الغرامة التافهة في جرائم غش الغذاء المعمول بها في القانون الحالى، لتعادل المعمول بها فى جرائم القتل العمد، وإلا سيصبح قتل وتدمير صحة المصريين برعاية الحكومة.. وكفى.

الجريدة الرسمية