رئيس التحرير
عصام كامل

ماذا بعد تحرير سعر الصرف؟!

بما إننا جربنا تحرير سعر صرف الجنيه تجاه العملات الأجنبية من قبل ومنذ سنوات قليلة فإننا نعرف أنه سوف يترتب عليه بعد  تخفيض قيمته سوف يترتب عليه ارتفاع كبير في الأسعار وزيادة في معدل التضخم، وبالتالي انخفاض في الدخول الحقيقية لأغلبية المواطنين أصحاب الدخول الثابتة، ولذلك سعت الحكومة للتخفيف عنهم بعض الأعباء بمنح العاملين في الحكومة وشركاتها وأصحاب المعاشات علاوة استثنائية مع زيادة الحد الأدنى للأجور. 


ومع ذلك الارتفاع في الأسعار سوف يكون هناك زيادة أيضا في أعداد السائحين الأجانب الذين انخفضت تكلفة رحلاتهم لبلدنا بعد تخفيض الجنيه، وربما زيادة في صادراتنا للخارج بعد أن زادت تنافسية أسعارها للأسواق الخارجية لكنها في الأغلب لن تكون كبيرة لأن زيادة الصادرات يجب أن يسبقها زيادة في الإنتاج، وخلال الشهور الماضية تضرر إنتاج وحدات عديدة لدينا بسبب عدم توافر مستلزمات الإنتاج، وأزمة الدواجن والبيض كاشفة.

 
وهنا يثور السؤال الأهم وهو هل تنفرج أزمة شُح النقد الأجنبي التى نعانى منها؟!.. والإجابة بلا مواربة وبصراحة  ليس بتحرير سعر الصرف وحده تنفرج هذه الأزمة.. نعم سوف نجنى زيادة في إيرادات السياحة وزيادة في تحويلات العاملين بالخارج وربما بعض الزيادة في قيمة الصادرات لكنها زيادات لا تكفى لتغطية كل  فجوة موارد النقد الأجنبي.. وتجربة تعويم عام ٢٠١٦ تؤكد ذلك، الأمر الذى دفعنا للإعتماد على الأموال الساخنة لتغطية هذه الفجوة، وكان ذلك سببا في أزمتنا الحالية حينما خرج في غضون أيام من أسواقنا نحو ٢٠ مليار دولار تمثل خمس كل مواردنا خلال عام من النقد  الأجنبي.. 

النقد الأجنبي

وليس  معقولا أن نجرب ذات التجربة السلبية مرة أخرى، وحتى إذا جربناها مجددا لن تكون مجدية في جذب الأموال الساخنة لأسواقنا، لأن السوق الأمريكي صار أكثر جاذبية لها الآن في ظل سياسة رفع الفائدة التي ينتهجها الفيدرالي الأمريكي الآن، وفي ظل تداعيات أزمة الاقتصاد العالمي على الاقتصاديات الناشئة مثلنا.

 
إن مشكلتنا أن مواردنا من النقد الأجنبي لا تكفى أنفاقنا منه، وذلك بسبب مشكلتنا الأزلية منذ منتصف ستينات القرن  الماضي والمتمثلة في إننا نستهلك أكثر مما ننتج ونستورد أكثر مما نصدر.. وحتى نجد حلا لهذه المشكلة لابد من علاج هذا الخلل المزمن الذي يعاني منه اقتصادنا.. وبالتالى علاج مشكلة نقص موارد النقد الأجنبي لا يحلها بشكل حاسم تعويم للجنيه والحصول على قروض جديدة..  

 

فكل ذلك تخفيف لأعراض المرض فقط وليس علاجه.. إنما يحلها زيادة مواردنا من النقد الأجنبي وتخفيض انفاقنا منه.. والسبيل العاجل لزيادة مواردنا من النقد الأجنبي يمكن أن يتحقق بزيادة موارد السياحة وتحويلات العاملين بالخارج، بينما السبيل الأطول والدائم فهو يتمثل في زيادةَ صادراتنا إلى الخارج وزيادة الاستثمارات الأجنبية في الداخل.. 

 

أما تخفيض انفاقنا من النقد الأجنبي فلا سبيل لتحقيقه سوى تخفيض وارداتنا من الخارج وهذا يتحقق على المدى الطويل بزيادة إنتاجنا واعتمادنا أكثر على أنفسنا في تدبير احتياجاتنا من السلع الأساسية، خاصة الغذائية ومستلزمات الإنتاج، ولكنه يتحقق بشكل عاجل بمراجعة قائمة وارداتنا من الخارج والاستغناء عما نقدر الاستغناء عنه منها، وهناك بالفعل ما يمكننا أن نعيش بدونه بعض الوقت دون أن نشعر بالحرمان الاستهلاكي.         

الجريدة الرسمية