رئيس التحرير
عصام كامل

إعلان وفاة التعليم في مصر

يقينى أن مشكلات التعليم في مصر لن تحل بقرارات عنترية أو مرتبكة، بل تحتاج إلى استراتيجية قومية يضعها متخصصون وتتبناها الحكومة بإرادة، بحيث تنعكس بشكل ايجابى على كامل أركان المنظومة من مدارس ومناهج ومعلمين وطلاب، وهذا ما يجب أن يكون أولى أولويات وزير التعليم الجديد إن كان يريد خيرا لهذا البلد، بعيدا عن القرارات الاستعراضية التى لن تعود على المنظومة سوى بمزيد من الارتباك، وعلى الوزير ذاته بمذيد من اللغط.

 

فمنذ أيام خرج علينا رضا حجازى وزير التعليم بتصريح غريب ومثير للجدل، يؤكد عزم الوزارة منح تراخيص لمراكز الابتزاز المسماه ب مراكز الدروس الخصوصية التى تستنزف سنويا ما يزيد عن 136مليار جنيه سنويا من دخل الأسرة المصرية - طبقا لتقدير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فى عام 2020 - وليس 47 مليار جنيه كما صرح الوزير.

 

الواقع يقول أن تصريحات وزير التعليم العلنية أمام مجلس النواب لا يمكن تفسيرها سوى أنها تمثل إعلانا ضمنيا بوفاة المدارس فى مصر، ورسالة للطلاب وأولياء الأمور بأن الدولة قررت - بشكل غير معلن - التخلى عن كل أشكال العملية التعليمية بالمدارس، وتسليمهم وأبنائهم لمافيا الدروس الخصوصية، فى مقابل اتاوات فى صورة ضرئب يتم تحصيلها من أعضاء مافيا الدروس الخصوصية لصالح الدولة.

تدهور منظومة التعليم

 

ولعل ما يدعو للعجب فيما قاله وزير التعليم، انه حاول بقدر الإمكان تصدر الخطوة المرفوضة، على أنها ستصب فى صالح الطلاب بتحديد سعر غير مبالغ فيه للحصة، وفى صالح الدولة التى ستحصل على ضريبة، إلى جانب خطورة اخرى ذكرها وزير التعليم تتناقض تماما مع قرار الترخيص ولا أدرى كيف سيتم تنفيذها؟، تؤكد أن القرار يعد تمهيدا للإغلاق بشكل تدريجى لتلك المراكز.

 

المؤكد أن وزير التعليم الجديد، الذى شغل مناصب عديدة فى ديوان عام الوزارة طوال فترة زادت عن الربع قرن، كان خلالها قريب من صناعة القرار مع ما يقرب من 10 وزاء تعليم سابقين، يعى تمام حقيقة كل مشكلات التعليم في مصر، ويعلم الخطوات الحقيقية للنهوض به، غير أنه يبدو انه فضل السير على ذات خطى سابقية بقرارات لن تزيد المنظومة إلا تأخرا وارتباكا.

 

لقد غاب عن وزير التعليم وهو يعلن عن عزمة ترخيص مراكز الدروس الخصوصية، أن تدهور منظومة التعليم فى مصر لا يحتمل انهيارا فوق الانهيار، وأن الامر لم يعد يستفز المصريين فحسب، بل استفز أيضا البنك الدولي الذى أصدر فى 3 أكتوبر الجارى تقريرا حذر فيه من تراجع الإنفاق على التعليم في مصر، مؤكدا أن النقص الحاد في أعداد المعلمين والفصول قد يضع المنظومة التى تعد الأكبر فى أفريقيا والشرق الأوسط بنحو 24 مليون طالب تحت ضغط، وأن اى تراجع جديد فى المنظومة يعد بمثابة تدميرا لمستقبل البناء والتنمية فى البلاد.

 

الشفافية تحتم القول، أنه كان الأولى بوزير التعليم بدلا من إعلان عزمه استخراج شهادة وفاة للتعليم بالمدارس، حمل هموم المنظومة على عاتقه، ووضع مشاكلها أمام مجلس الوزراء، وليس بيعها ومعها أولياء الأمور والطلاب لمافيا الدروس الخصوصية، ولاسيما وانه يعلم تمام العلم مدى النقص الهائل فى أعداد المعلمين الذى يصل لنحو 350 الف معلم، والتدني الكبير فى رواتبهم، إلى جانب النقص الحاد في أعداد الفصول الدراسية والذى يقدر بنحو 100 الف فصل دراسي، تحتاج إلى استثمارات تقدر ب 130 مليار جنيه، بالإضافة عدم الاستقرار على منهج ثابت وتأرجحه خلال السنوات الأخيرة بين الكتاب والتابلت، مما ولد بطبيعة الحال نوعا من التشتيت لدى الطلاب.

 

 

للأسف أن الواقع يقول، أن إقدام وزارة التعليم على ترخيص مراكز الدروس الخصوصية لا يهدف إلى خلق بيئة سليمة لدراسة الطالب - كما قال الوزير - بل يهدف إلى تحصيل أموال من مافيا الدروس الخصوصية لصالح الحكومة، فى مقابل القضاء بشكل كامل على أمل عودة المدرسة إلى سابق عهدها، وتحمل أولياء الأمور أعباء فوق الأعباء، بل وإعلان وفاة منظومة التعليم بالمدارس المصرية دون عزاء.. وكفى.

الجريدة الرسمية