رئيس التحرير
عصام كامل

حين يفقد القاتل شغفه

الميزة الوحيدة في الكراهية أنها شعور واضح وصادق لا يمكنه أن يخدع صاحبه، فإذا شعرت أنك تكره فلانا فأنت تكرهه بالفعل.. لكن الحب شعور مراوغ، فقد تعتقد أنك تحب فلانا ثم تكتشف بعد سنوات أن الأمر لم يكن حبا، ربما كان مجرد إعجاب أو احتياج واعتياد. تمييز الكراهية سهل كتمييز المرأة للون الأحمر على شفتي صديقتها، وتمييز الحب كتمييز الرجل لأحد درجات اللون الرمادي في محل للدهانات.

قتل روتيني

القتل لا يمثل شغفا بالنسبة لي، هو عمل روتيني أمارسه في وقت فراغي لزيادة مخزوني من الذكريات، وربما أتقاعد عنه حين يصبح لدي ألبوما يضم صور قتلاي بالقدر الذي يكفي أن أتصفحه في ما تبقى لي من عمر..

طيلة هذه السنوات لم أجد متعة في القتل، لكنني متأكد من أن مراجعة الذكريات أمر ممتع جدا، يشبه تناول المقرمشات أثناء مشاهدة المباريات، أو ربما هو أشبه بتشذيب الشجيرات في حديقة منزل عجوز..

أتذكر أول ضحاياي، كان زميل دراسة، ولد كسول لا يفعل في حياته سوى مضغ الطعام بصوت عال. حذرته أكثر من مرة بأن يخفض من صوته، لكنه لم يفعل، وحينها طلبت من أبي أن ينقلني إلى مدرسة أخرى، وهكذا اختفى ذلك المزعج من حياتي، وصار قتيل ذكرياتي.

أحلام متكررة

كلما مت داخل حلم من أحلامي استيقظت لأجد نفسي شخصا جديدا في زمن مختلف، اليوم أنا سائق شاحنة في كاليفورنيا والعام ١٩٨٣، وبالأمس كنت صانع فخار في بغداد في العصر العباسي، وأول من أمس كنت ساقيا في حانة في تركيا وقت الحرب العالمية الثانية، وقبلها كنت صيادا في المكسيك في ستينات القرن العشرين.

الليلة سأخنق نفسي بيدي في الحلم، لعلي أعود إلى عصر شهريار فأقتله وأخطف شهرزاد كي تحكي لي ما حدث في الليلة الثانية بعد الألف.

تقول واحدة من جداتي المئة، فقد عشت داخل مئة شخصية حتى اليوم، تقول إن الرجل يمكنه أن يحيا في الزمن الذي يريد إذا مات في حلم قاصدا امرأة بعينها، شريطة أن ينجح في أن يجعلها تبادله الحب، وإنه إذا جرجرها للعشق، فإنه حتما سيظل في ذلك الزمن لنهاية عمره، وتعزو هي ذلك إلى أن الحياة الحقيقية ليست سوى امرأة عاشقة.

رفات وردة

 

يوما ما، ستذبل الزهرة، ستجف، وتسقط أوراقها، وتذهب رائحتها، ومع ذلك سيحتفظ أحدهم بما تبقى من رفاتها لأنها هدية حبيبته التي أرسلتها له مشبوكة في طرف رصاصة نحاسية ملفوفة في طابع بريد..

 

كل الزهور التي نجت من الحرب هلكت في خنادق النسيان، أما زهرتنا فخلدها التاريخ وصنع لها نصبا تذكاريا يليق بنبتة ضحت بروحها لتكون جسرا بين حبيبين باعدت بينهما المسافات وفوهات البنادق..

 

شاعر لليلة واحدة

 

لو قدر لي أن أكون شاعرا لليلة واحدة، سأكتب قصيدة واحدة وأضعها تحت وسادتي، لعلي أجدها في الصباح امرأة.. فالمرأة قصيدة والقصيدة امرأة.. بعض القصائد دافئ، وبعضها مجنون، هادئ كالنسيم، هادر كالموج، عاصف كالرياح، كريم وغدار كالبحر.. لو لم تكن المرأة لما كانت القصيدة ولا كان الشاعر ولا كانت الحياة..

 


لو قدر لي أن أكون شاعرا لليلة واحدة، لصرت شاعر القصيدة الواحدة.. أمشط لها شعرها بأهداب عيني، أمسح عنها الحزن بكلماتي، أخضب يديها بحناء من دمي الجاف، وألون خديها بالغزل، ومن شفتيها أعصر خمري.. لو قدر لي أن أكون شاعرا لليلة واحدة، لسبيت كل القصائد، ليصبحن وصيفات قصيدتي الوحيدة.

الجريدة الرسمية