رئيس التحرير
عصام كامل

برعاية البنك الدولي.. القصة كاملة لإفلاس سريلانكا

معاناة السكان في
معاناة السكان في سرلاينكا بعد انعدام الاحتياجات الاساسية

لن تصدق تقارير البنك الدولي التي رسمت حلم سريلانكا الجديدة والتي كان من المفترض أن تصبح جنة في عام 2025.

سريلانكا

وفي كابوس مروع استفاقت كولومبو على الانهيار الكامل وباتت مهددة بأن تصبح دولة فاشلة في أسوأ كارثة من الممكن ان تواجه أي دولة حول العالم.

ومع تتبع مسار الأحداث وجد ملفا صادما من البنك الدولي حول سريلانكا والانطلاق حول الرخاء والازدهار والذي بات حلم صعب المنال في كولومبو التي فر رئيسها بعد أن ثار الشعب عليه عقب سلسلة من الأزمات والكوارث الاقتصادية التي طالت المواطنين في سريلانكا أتت على توفير احتياجاتهم اليومية.

ويعود تاريخ ملف البنك الدولي لعام 2017 والذي أعلن البنك من خلاله أن سريلانكا ستنطلق إلى رخاء وازدهار كبير وتنمية شاملة بحلول 2025، فما الذي تغير؟

وحددت رؤية سريلانكا الجديدة لعام 2025 مسارًا للإصلاحات، لجعل البلاد أكثر قدرة على المنافسة ورفع مستويات معيشة جميع السريلانكيين.

رؤية البنك الدولي واحتياجات سريلانكا 

مع وجود سوق محلية يضم 20 مليون مستهلك فقط مع دخل متواضع للفرد، تحتاج سريلانكا إلى النظر إلى ما وراء حدودها وزيادة قدرتها التنافسية العالمية للحفاظ على نمو مرتفع وطويل الأجل.
ولتحقيق هذه الغاية، تحدد رؤية سريلانكا الجديدة لعام 2025 مسارًا للإصلاحات لجعل البلاد أكثر قدرة على المنافسة ورفع مستويات المعيشة لجميع السريلانكيين.

تتراوح هذه الإصلاحات من الحاجة الملحة لإصلاح قانون العمل إلى إعادة هيكلة برامج شبكات الأمان الاجتماعي وتعزيز اكتساب التكنولوجيا ورقمنتها.

لكن كيف تعتزم سريلانكا الانتقال إلى دولة ذات دخل متوسط أعلى وأكثر تنافسية وشمولية، وكيف ستستمر مجموعة البنك الدولي، الشريكة لما يقرب من ستة عقود، في دعم تنميتها؟

تحدد رؤية 2025 كيف أن التنمية الاقتصادية غير المتكافئة عبر المقاطعات قد ساهمت في تفاوتات كبيرة في الدخل في سريلانكا.

من بين عدد كبير من البرامج التي تركز على المجتمعات والمناطق المحرومة، مشروع تحسين الخدمات المحلية في الشمال الشرقي الذي يدعمه البنك الدولي، والذي ساعد في تحسين البنية التحتية وتقديم الخدمات العامة في المجتمعات المعزولة في المقاطعات الشمالية والشرقية.

وقد تم الانتهاء من هذا المشروع الآن، ومهد الطريق لمشروع دعم التنمية المحلية، الذي يهدف إلى تحسين سبل عيش السكان الضعفاء وجعل الحكم المحلي أكثر كفاءة وخضوعا للمساءلة أمام المواطنين.

وتشمل الأولويات المماثلة الأخرى حافظة موسعة للبنية التحتية، بما في ذلك التنمية الحضرية والطرق والحماية من الفيضانات وإمدادات المياه.

وفي هذا السياق، فإن التزام الحكومة بدعم الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتقليل الاعتماد على الأموال العامة للبنية التحتية سيتطلب تمويلًا أكبر من القطاع الخاص؛ وهذا أمر أساسي لاستراتيجية البنك الدولي لتعظيم تمويل التنمية من خلال مشاركة القطاع الخاص.

القيد على التنمية والبيروقراطية 

تبقى "إدارة الأراضي" في سريلانكا معوق للتنمية الاقتصادية، فكما لاحظت الحكومة، فإن "سياسة الأراضي القديمة" للجزيرة "غير فعالة" و"متخلفة" وهناك حاجة ماسة إلى الإصلاح، وفقا لتقرير عن موقع "البنك الدولي" باللغة الانجليزية.

وضرب التقرير مثالا شائعا جدًا في هذا الصدد عن البيروقراطية في سريلانكا، بقضية بدأت عام 2017، لمواطنه تدعى كامالا ويكيسيكيرا والتي دخلت في معركة قانونية مع واضعي يد، بدأت في عام 2000، في أنورادابورا وظلت مستمرة حتى الان. 

فيما يقدم البنك الدولي مساندته من خلال توسيع العمل الفني الأولي بشأن حالة إدارة الأراضي لمراجعة القيود الأوسع في القطاع، ولإطلاع أصحاب المصلحة على الخبرة الدولية والممارسات الجيدة.

نظام المعاشات في سريلانكا 

وفي معضلة اخرى في سريلانكا، يغطي نظام معاشات الموظفين العموميين حوالي 10.3% من القوى العاملة ويوفر مزايا سخية بتكلفة عالية ومتنامية تبلغ حوالي 1.4% من الناتج المحلي الإجمالي؛ ويشير النمو في عدد موظفي الخدمة المدنية وكشوف المرتبات إلى أن تكاليف المعاشات التقاعدية ستزداد فقط، مما يختبر خزائن الدولة.

فالإصلاحات ضرورية أيضًا لأنظمة المعاشات التقاعدية، مثل صندوق ادخار الموظفين وصندوق ائتمان الموظفين، للتأكد من أنها دعم موثوق للشيخوخة والضعفاء، مع إثبات الاستدامة وبأسعار معقولة للحكومة.

ويلتزم البنك الدولي بدعم جهود الحكومة لتقوية شبكات الأمان الاجتماعي، وتأسس برنامج الرعاية الاجتماعية الرئيسي، Samurdhi، في عام 1996 ولديه قوة من 26000 موظف مدني ولكن العديد من المستفيدين كانوا في البرنامج دون مراجعة منذ بدايته، ويبحث البرنامج إصلاحا طال انتظاره.

وبعد تحديد العديد من المشكلات والحلول الممكنة، يكمن اختبار "رؤية 2025" في التنفيذ، فلقد تم اتخاذ العديد من الخطوات الحاسمة نحو تحقيق الرؤية المحددة في هذه الوثيقة، ولكن يلزم الالتزام المستمر لتحقيقها. 

ولكي يصبح هذا حقيقة واقعة، هناك حاجة إلى إصلاحات عميقة على مستوى النظام للحد من الفقر وتحقيق الرخاء لجميع السريلانكيين.

البنك الدولي وسقوط سريلانكا 

بعد عامين من الرؤية التي حددها البنك الدولي وتوافقت مع طموحات الدولة الأسيوية أيضا، تبدلت الأحول واتخذت سريلانكا طريقا الى الديون والتخلف عن سدادها. 

فبات سكان سريلانكا يتخطون وجبات الطعام ويصطفون لساعات محاولين شراء الوقود الشحيح؛ إنها حقيقة قاسية بالنسبة لبلد كان اقتصاده ينمو بسرعة، مع وجود طبقة وسطى متنامية، حتى تفاقمت الأزمة الأخيرة.

وتدين حكومة سريلانكا بـ51 مليار دولار، وهي غير قادرة على سداد مدفوعات الفوائد على قروضها.
وقد تعثرت السياحة، وهي محرك مهم للنمو الاقتصادي، بسبب الوباء والمخاوف بشأن السلامة بعد هجمات إرهابية في العام 2019. 

كما انهارت عملتها بنسبة 08%، مما جعل الواردات أكثر تكلفة وتفاقم التضخم الذي أصبح بالفعل خارج نطاق السيطرة، مع قفزة في تكلفة الغذاء بنسبة 57%، بحسب البيانات الرسمية.

والنتيجة: بلد يتجه نحو الإفلاس، حيث لا تكاد توجد أموال لاستيراد البنزين وغاز الطهي ولا حتى الحليب وورق التواليت.

الفساد

ويقول الاقتصاديون إن الأزمة تنبع من عوامل محلية مثل سنوات من سوء الإدارة والفساد؛ وتم تركيز معظم غضب الرأي العام على الرئيس راجاباكسا وشقيقه رئيس الوزراء السابق ماهيندا راجاباكسا. 
كما دمرت السياحة، وهي مصدر رئيسي للنقد الأجنبي؛ فقد كانت الظروف تتدهور على مدى سنوات في سريلانكا غير ان انفجارات 2019، الارهابية الطالت كنائس وفنادق في عيد الفصح، واودت بحياة أكثر من 260 شخصًا قضت على هذا القطاع الحيوي والهام في سريلانكا.

واحتاجت الحكومة إلى زيادة إيراداتها مع ارتفاع الدين الخارجي لتمويل مشاريع البنية التحتية الضخمة، لكن بدلًا من ذلك، دفع راجاباكسا نحو أكبر تخفيضات ضريبية في تاريخ سريلانكا. 

ومع هذه الخطوة تم عكس التخفيضات الضريبية مؤخرًا، ولكن فقط بعد أن خفض الدائنون تصنيف البلاد، مما منعها من اقتراض المزيد من الأموال مع تراجع احتياطياتها الأجنبية؛ ثم تراجعت السياحة مرة أخرى خلال وباء كورونا.

في أبريل 2021، حظر راجاباكسا فجأة استيراد الأسمدة الكيماوية، مما ضغط على المزارعين وأهلك محاصيل الأرز الأساسية، وأدى إلى ارتفاع الأسعار؛ ولتوفير النقد الأجنبي، تم أيضًا حظر استيراد العناصر الأخرى التي تعتبر كمالية.

الضربة القاضية

في غضون ذلك، أدت حرب أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار الغذاء والنفط، واقترب التضخم في البلاد من 40٪ كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 60٪ تقريبًا في مايو المنصرم.

قالت وزارة المالية إن لدى سريلانكا 25 مليون دولار فقط من الاحتياطيات الأجنبية الصالحة للاستخدام؛ وقد تركها ذلك بدون الأموال اللازمة لدفع ثمن الواردات، ناهيك عن سداد المليارات من الديون.

في الوقت نفسه، تراجعت قيمة الروبية السريلانكية إلى حوالي 360 مقابل الدولار. وهذا يجعل تكاليف الواردات أكثر تعقيدًا.

وأوقفت سريلانكا سداد نحو 7 مليارات دولار من القروض الأجنبية المستحقة هذا العام من أصل 25 مليار دولار من المفترض سدادها بحلول العام 2026.

حتى الآن كانت سريلانكا تتأرجح، مدعومة بشكل أساسي بخطوط ائتمان من الهند تبلغ 4 مليارات دولار؛ وقد وصل وفد هندي إلى العاصمة كولومبو في يونيو لإجراء محادثات بشأن المزيد من المساعدات، لكن رئيس الوزراء ويكرمسينج حذر من الاستناد على الهند لإبقاء سريلانكا واقفة على قدميها لفترة طويلة.

الأمل في صندوق النقد الدولي 

تجري حكومة سريلانكا مفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن خطة إنقاذ، وقال ويكر مسينج إنه يتوقع التوصل إلى اتفاق مبدئي في وقت لاحق من هذا الصيف.

كما طلبت البلاد مزيدًا من المساعدة من الصين؛ وقدمت حكومات أخرى مثل الولايات المتحدة واليابان وأستراليا بضع مئات من الملايين من الدولارات كدعم. وفي وقت سابق من شهر يونيو، أطلقت الأمم المتحدة نداءً عامًا عالميًا للمساعدة.

وحتى الآن، بالكاد يلمس التمويل المتوقع سطح الـ 6 مليارات دولار التي تحتاجها البلاد للبقاء صامدة خلال الأشهر الستة المقبلة.

ولمواجهة نقص الوقود في سريلانكا، أخبر ويكر يمسينج وكالة "أسوشييتد برس"، في مقابلة أجريت معه مؤخرًا، أن البلاد قد تلجأ إلى شراء المزيد من النفط مخفض التكلفة من روسيا.

وتقف سريلانكا حاليا في وضع يزداد سوء يوم بعد الاخر بعد ان انفجر الشارع جراء الازمات التي اطاحت براجاباكسا غير انها اطاحت ايضا بقيمة الروبية السريلانكية مع دين ضخم تعجز كولومبو عن سداده في انتظار حل بينما يشهد العالم معاناة الشعب في سرلاينكا بعد انعدام الاحتياجات الأساسية. 

الجريدة الرسمية