سألت شيخي فقال (1)

منذ قرابة الخمسين عاما مضت كنت في مجلس شيخي العالم الرباني والعارف بالله تعالى مولانا الشيخ أحمد يوسف البيه أحد أكابر علماء الأزهر الشريف في زمن الأعمدة والعلماء العاملين. مع مولانا الشيخ عبد الغني الملواني ومولانا الشيخ سليم البشري ومولانا الشيخ السمالوطي ومولانا الشيخ الدجوي رضوان الله عليهم. فسألته: يا شيخي كثر في هذا الزمان  أدعياء العلم وكثر أهل الفتوى واختلط الحابل بالنابل وأصبح علم الدين والفتوى لكل من هب ودب وإنتشر الفكر التكفيري. ونسمع فتاوى ما أنزل الله تعالى بها من سلطان ونرى غلظة وتشدد لدي أدعياء العلم  فعمن يؤخذ علم الدين الصحيح والفتوي؟

ممن تؤخذ الفتوى؟

فاجأني رضي الله عنه قائلا: إعلم يا بني أن علم الدين أشرف العلوم وأجلها وأقدسها وبه تستقيم الحياة وتكون السلامة في الدنيا والسعادة في الآخرة. وعلم الدين كما قلت ليس لكل من هب ودب ولا لكل من قرأ وإطلع. وإنما له أهل وهم عباد الله تعالى العلماء الأتقياء الأنقياء الأصفياء الممنوحين الحكمة من الله عز وجل، وأهل الزهد والصلاح والخشية والورع العارفين لكتاب الله تعالى المحكم منه والمتشابه والناسخ والمنسوخ، والعالمين بأسباب نزول آياته والملمين لأحكامه والعارفين لحدوده وأوامره ونواهيه.. 

والعالمين بحلاله وحرامه وهم الفقهاء الذين يعلموا علم السنة دراية ورواية. القولي منها والفعلي والتقريري. أي ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وما فعله وما لم يقله ولم يفعله وقاله أو فعله أحد الصحابة على عنينه الكريمة وسمعه الشريف ولم يرده ولم ينكره عليه وبهذا قد أقره. وهم الذين يعلمون علم  مناسبة الحديث وسبب قوله وهو ما يقابل علم أسباب التنزيل لآيات كتاب الله تعالى.

وهم الذين يعلموا بما تصح به العقائد والعبادات والمعاملات. وما يبطلها ويفسدها. وهم أهل الذكر الذين يرجع الناس إليهم في طلب العلم والفتوى كما أشار الحق عز وجل بقوله (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ). 

هذا ومن شأنهم الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة ومجادلة المسلمين وأهل الكتاب بالتي هي أحسن  لقوله تعالى: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). وهم أهل الإستنباط الذين يجب الرجوع إليهم عند الخلاف ومعرفة الحقيقة لقوله عز وجل (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ). 

صلوا عليه وسلموا تسليما

أحلام وأماني

هذا ومن اوصافهم الحلم وسعة الصدور والتأني والتحري في الفتوى. والإعتدال في الدعوة فلا تفريط ولا مغالاة ولا تقنيط  من رحمة الله تعالى وروحه. ثم توقف الشيخ قليلا وتنهد وقال: يا بني نحن في آخر الزمان وإقتربت الساعة ومن علاماتها إنتزاع العلم بقبض العلماء وإتخاذ الناس رؤوس الجهلاء شيوخا وأئمة فضلوا وأضلوا وإلى ذلك أشار الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله بقوله للصحابة رضي الله عنهم: (أنكم أصبحتم في زمان كثير فقهاءه قليل خطباءه قليل سائلوه كثير معطوه العمل فيه خير من العلم وسيأتي على الناس زمان قليل فقهاءه كثير خطباءه قليل معطوه كثير سائلوه والعلم فيه خير من العمل). 

ثم قال: يا بني لا يؤخذ العلم إلا من العالم الرباني الذي يخاطب القلب قبل العقل وما كان من القلب يصل إلى القلب. وما كان من اللسان لا يتخطى الأذن والمسامع.. رحم الله تعالى مشايخنا  فقد أورثوا العلم من كابر عن كابر..