رئيس التحرير
عصام كامل

فن الهمبكة: المرحوم صديقي

يتبرك الغلابة بالأولياء الصالحين، فيذهبون إلى أضرحتهم، يتعلقون في ستائرهم، ويتمرمغون في ترابهم، ظنا منهم أن لهؤلاء الراحلين مكانة وشفاعة، وهم يفعلون ذلك بحسن نية، لا يقصدون تقديس بشر، لكنهم يرون في التوسل بالصالحين طريقا لنيل البركات وقبول الدعاء، رغم أن الله عز وجل يقول «أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ». وعلى طريقة الغلابة، هناك صنف من «الديابة» أو بالأحرى هم ضباع، يقتاتون على سير الأموات، خاصة المشاهير منهم، ويرون في التمسح بهم فرصة للشهرة والصيت، لكن بسوء نية.

 

كان لي صديق لا هو فيلسوف ولا هو بكلام الحكماء شغوف، لكنه فقط شاطر في متابعة أخبار الوفيات، وما أن يسقط أحد المشاهير، سواء كان فنانا أو رياضيا أو سياسيا أو أي شخصية لها وزن واسم، تجده يسارع بنشر نعي محترم ويذيله بكلمات لا تتغير ولا تتبدل، إذ يقول «وداعا صديقي فلان».

 

في كل مرة يموت فيها أحد المشاهير، يتحدث ويستفيض عن تلك الصداقة التي جمعت بينهم لسنوات وسنوات، والغريب انني لم اضبطه يوما يحكي عن ذلك المشهور قبل رحيله، لكن سبحان الله، ما أن يموت أحدهم يصبح صديقه الصدوق.

 

ملك الهمبكة

 

في يوم، سألت صديقي عن أحد السياسيين بالحزب الوطني البائد (كده وكده)، والذي توفي ففوجئت بصديقي ينشر على صفحته نعيا كتبه بدموع عينيه، يحكي فيه ويتحاكى بتلك الصداقة المزعومة، التي جمعت بينهم (في الحلال طبعا)، فلما رأى الشك يتقافز بين كلماتي، قال لي بكل حزم «لو مش مصدقني اسأل المرحوم»!

 

وبالطبع لم أفعل، فلست قليل الذوق حتى أوقظ المرحوم من نومته الأبدية، من أجل سؤال تافه عن علاقة صداقة تجمع بينه وبين صديقي ملك الهمبكة، الذي نجح في توظيف عشرات من الموتى في شركة علاقات عامة خيالية كل مهمتها الدعاية له شخصيا.

ولأننا في عصر السوشال ميديا التي تقتات على الهمبكة، وتبجل «الفسيخ» لمجرد أنه يقول على نفسه «شربات»، فقد راج صيت صاحبنا، وبات له مريدون تحت اسم «فولورز»، يتابعون أخباره ويتتبعون خطواته وفتوحاته الافتراضية.

 

في العام الماضي وحده، رصدت صديقي ملك الهمبكة، وقد استخدم 12 مرحوما – بإذن الله – في الدعاية لنفسه، فكلما مات أحدهم، نعاه في خمسين سطرا، وكأنه يكتب ملحمة اسبرطية، يجعل نفسه فيها البطل، بينما المشاهير كومبارس. أحد المتوفين، وكان رياضيا كبيرا لعب لأحد أكبر فرق العاصمة، كان عمره حين مات 75 عاما، أ يأنه يكبر صديقي في ذلك الوقت بنحو 35 حولا ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

قال صديقي عنه في نعيه «اليوم فقدت صديقا عزيزا، كانت لنا صولات وجولات في الملعب وخارجه»، فلما سألت صديقي هذا أين التقى ذلك المرحوم وكيف كانت لهم جولات، خصوصا في الملاعب، والرجل اعتزل ركل الكرة قبل أن يولد صاحبنا ملك الهمبكة، رد علي قائلا «يا اخي أنا مش عارف أنت جايب الحقد ده منين؟!».

 

 

لم أعرف بماذا أرد على صديقي، إذ لم أكن أعي هل ما قاله عن حقدي هذا يندرج تحت باب الاستنكار، أم أنه بالفعل معجب بحقدي ويريد أن يعرف من أين أحصل عليه؟!

السادة الأموات، تحية طيبة وبعد، أرجوا أن تكونوا في نعيم الله، بعيدا عن جحيم صديقي، والسلام ختام.

الجريدة الرسمية