رئيس التحرير
عصام كامل

البؤر الإجرامية.. قنا وكواليس حرب الشرطة على قرى الدم والسلاح والمخدرات

 الحملات الأمنية
الحملات الأمنية

شاء القدر أن تتواجد تلك القرى بجوار بعضها البعض، وأن تكون الدروب الجبلية هى حائط الصد للتجار المخدرات والسلاح وعتاد الإجرام، والكثير من المواطنين يخشون الدخول إلى تلك القرى باعتبار أن من يدخل قد لا يخرج "الداخل مفقود".


ففى قرى "السمطا" و"فاو غرب" و"نجع سعيد" الواقعة فى مركز دشنا، شمال محافظة قنا، والتى نالت شهرتها منذ سنوات فى تجارة السلاح والمخدرات، وتجميع المسروقات وبيعها كخردة أو دفع مبلغ مالى كبير لرد المسروقات سواء كان سيارة أو موتوسيكل أو غيرها من المركبات.

 

قرى الإجرام

فقد كانت تلك القرى حتى اندلاع ثورة يناير قد حصلت على نصيب الأسد فى الإجرام، وكانت تأوى عددا كبيرا من الخارجين على القانون والتجار لمختلف أنواع التجارة غير المشروعة من سلاح ومخدرات وآثار ومسروقات والاستيلاء على أراضى الدولة إلى أن بدأت البلاد تتعافى من الفوضى التى عمت البلاد فى أعقاب الثورة وبدأت الحملات الإجرامية تتصدى إلى هؤلاء المجرمين.

إلا أن الأمر كان فى البداية وحتى سنوات قريبة تتعرض تلك الحملات للهجوم ويتساقط جنود وضباط تلك الحملات ضحايا لفخ معتادى الإجرام بعد أن تكون قد تسربت أخبار الحملات قبيل خروجها إليهم، وهو الأمر الذى بدأت تدركه قوات الأمن فى السنوات الأخيرة واستطاعت التصدى من خلال عدة عمليات يشترك فيها قوات الأمن العام، ويتم الاستعانة بقوات من المحافظات المجاورة ويكون الهجوم بشكل مفاجئ دون أي علم لأى شخص.


وبالفعل نجحت الأجهزة الأمنية فى التصدى لكثير من الخارجين على القانون وسقط عدد منهم وبحوزتهم عدد من الأسلحة وكميات من المخدرات، ومسروقات متعددة، وبدأ تمشيط المناطق الجبلية التى كان يتم من خلالها تهريب السلاح والمخدرات.

 

حملات مستمرة

وكان هناك العديد من الحملات المستمرة على تلك المناطق الجبلية، حتى أن كثيرا من معتادي الإجرام والخارجين على القانون هربوا من تلك المناطق، إلا أن الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد، فمع ظهور مخدر الشابو بدأ النشاط يعود من جديد إلى تلك المناطق، إلا أن فيروس كورونا المستجد وتوقف جميع الأنشطة سواء من الداخل أو الخارج، جعل نشاط هؤلاء المجرمين يتوقف، ولكن الثأر فى قرى صعيد مصر لم يتوقف ونزيف الدم ظل مستمرا فى أزمة كورونا على الرغم من التوقف فى البداية لمدة تجاوزت الشهرين تقريبا، إلا أن الأنشطة الإجرامية لتجار السلاح والمخدرات بدأت فى الاستعادة تدريجيا.

 

مخدرات أون لاين

وكانت البداية الحقيقة عندما استخدم أحد تجار المخدرات منصات التواصل الاجتماعى كى يعلن عن تجارته غير المشروعة، لافتا فى فيديو له أن "المخدرات تعالج كورونا" خاصة الحشيش والبانجو، وعلى الفور شكلت قوات الأمن فرق بحث، وتبين أن هذا الشخص من قرية "السمطا" وخلال ساعات أن قوات الأمن قد قبضت عليه وكشفت عن هويته، والقبض عليه وبحوزته كمية من المخدرات والسلاح التى كان ينوى توزيعها على عملائه مستخدما منصات التواصل الاجتماعي لترويج تجارته غير المشروعة.


ومنذ ذلك الوقت، بدأ الكثير من المواطنين يتحدث عن حقيقة ما كان يروج له المتهم الذى لا يزال يمكث خلف القضبان ينتظر حكم القضاء عليه.

 

تجارة المخدرات

وعادت تجارة المخدرات بشكل كبير من مختلف الأنواع، إلا أن الشابو هو من أكثر الأنواع التى يتم ترويجها على الشباب، والحشيش والبانجو فضلًا عن استمرار تجارة السلاح والسرقات التى عادت بقوة عن ذى قبل، فانتشرت فى الآونة الأخيرة سرقات الدراجات النارية والسيارات.


وأشار إلى أن تلك المناطق معروفة من سنوات بتجارة السلاح والمخدرات والسرقات ورغم الحملات الأمنية وغيرها، لكن السلاح هناك مثل رغيف العيش كما يذكر، لا حصر له، وكثير من معتادى الإجرام يقطنون فى جبال تلك القرى، والأهالى الموجدون فى تلك القرى يخشون على أنفسهم من الثأر والقتل والسرقة، ولذا أحرص على عدم الدخول إلى تلك القرى نهائيا مهما كان الأمر.


وروى أحمد صابر على، سائق، أنه تعرض للسرقة وكاد أن يفقد حياته بدخوله إلى تلك القرى عندما جاء إليه زبون وطلب منه «مشوار» إلى قرية فاو غرب، وفوجئ بإطلاق نار عليه، وعند منطقة معينة توقفت، وتم سرقتى وعدت بعد أن دفعت كل شيء، ودون الدخول فى تفاصيل، تعلمت أن هناك مناطق خطرة يصعب الدخول إليها لا صباح ولا مساء مهما كانت النقود التى سوف أتحصل عليها من الزبائن.

وهذا بخلاف أن الأشخاص الذين يحضرون إلىَّ لا أعرفهم، وأهالى تلك القرى يخشون على حياتهم، وكان معى صديق هو الذى حذرنى من الدخول إلى تلك المناطق خوفا علىَّ من معتادى الإجرام، وبالطبع الجميع يتمنى أن تنتهى أسطورة هؤلاء التجار وتتوقف تلك الأنشطة الإجرامية التى أصبحت تمثل خطرا على حياة الجميع، خاصة الشباب الذى أصبح يدمن كل أنواع المخدرات بشكل مخيف جدا، خاصة الشابو.

 

الإيذاء النفسى والبدنى

وأشار يحيى صبرى على، أحد أهالى مركز دشنا، إلى أن سمعة تلك القرى للأسف أثرت على الجميع، ولكن الإيذاء النفسى والبدنى خطر يهدد جميع أبناء المركز، فعندما نشاهد السلاح ونسمع دوى طلقات الرصاص والكل يهرول خوفا من رصاصة طائشة أو عندما تكون هناك حملة على تلك القرى لضبط الخارجين على القانون، هذا الأمر يؤثر بشكل كبير على الأطفال والشباب، وبالطبع الجميع يتأثر، ونأمل أن تنتهى تجارة السلاح التى تلجأ إليها العائلات المتناحرة من أجل أن تسقط كل واحدة منهم أكبر عدد من العائلة المتناحرة معها، وهذا يستهدف أكبر كمية من السلاح، ويستفيد من هذا تجار الدم، بالإضافة إلى تجار الشباب الذين يسقطون شبابنا واحد تلو الآخر بسبب المخدرات والشابو الذى يمثل أزمة كبيرة بالنسبة لنا.


وأكد على أن قرى السمطا أو نجع سعيد أو فاو غرب من القرى التى تضم عددا من العائلات والقبائل، والجميع يخشى على حياته، ويتمنون أن يأتى اليوم الذى تنتهى فيه كل هذه المآسي، ولا يكون هناك تجارة للمخدرات أو السلاح أو السرقات ويكون الجبل خاليا من الخارجين على القانون، هذه القرى الثلاثة لا يستطيع أحد الدخول إليها فى أوقات معينة خوفا من الخارجين على القانون أو طلقات الرصاص الطائش.


وأشار إلى أنه رغم أن قرى ذلك المركز خرج منها مثقفون وكتاب أثروا الحياة الثقافية بالعديد من الأفكار، ومنهم الكاتب محمد صفاء عامر ابن قرية فاو الذى تناول فى أعماله القضايا الشائكة مثل العادات والتقاليد فى الزواج القبلى والعصبية والصراع الحزبى والطبقى والميراث وتعليم الفتاة، وتناول بداية من فترة الخمسينيات والتحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التى أثرت على هذا إلى أن دخل على فترة التسعينيات وعصر الانفتاح والتطرف الدينى وما تلاها ولا تزال موجودة حتى وقتنا هذا، ولكن هذا الأمر رغم مرور سنوات عليه ومناقشة كل هذا الأمر من خلال الدراما، إلا أنه لم يقض على تلك الظواهر التى لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا.

 

المرافق الأساسية

تغزو قرى مركز دشنا، ومنها قرى فاو والسمطا ونجع سعيد، وغيرها من القرى الأخرى التى كانت تعانى من نقص الخدمات والمرافق، وأصبحت مستقلة بذاتها فى محطات المياه والصرف الصحى والكهرباء وغيرها من المرافق الأساسية التى كانت مرحومة منها لسنوات طويلة، وهو الأمر الذى ساهم بنصيب كبير فى نمو مثلث الإجرام، وهناك مدارس متعددة ومتنوعة لمختلف المراحل العمرية، وتسعى المحافظة خلال الفترة المقبلة إلى القضاء على عادة الثأر، السبب الرئيسى فى نشاط تجارة السلاح والقضاء بشكل نهائى على تجارة المخدرات أيضا من خلال الحملات الأمنية المتعددة.


وأكد مصدر أمنى أن الحملات الأمنية مستمرة على هذه القرى وغيرها من البؤر الإجرامية للقضاء على كافة أنواع الجريمة والقبض على جميع الخارجين على القانون ووقف كافة الأنشطة الإجرامية غير المشروعة وبالفعل يتم تمشيط للمناطق الجبلية فى تلك القرى، مضيفًا: تم القضاء على عدد من تجار المخدرات وسقوط عدد من تجار السلاح، ويخضعون لتنفيذ أحكام قضائية.

الجريدة الرسمية