رئيس التحرير
عصام كامل

السادة اللصوص

يقينى أن القضاء على الفساد في مصر مرهون باجراءات تشريعية وحكومية لم تتخذ بعد، وأن الجهود المضنية التى تبذلها الأجهزة الرقابية والتى أسفرت عن الإطاحة بعشرات الفاسدين واللصوص من وزراء ومحافظين ومسئولين خلال السنوات الأخيرة، جميعها إجراءات غير كافية وتحتاج إلى تدخل من البرلمان والحكومة لتعزيز عمل تلك الأجهزة.

 

فبالعودة إلى عهود ما قبل ثورة يوليو 1952 وما بعدها، سنكتشف وللأسف أن سلوك الفساد فى مصر متأصل ومتوارث لدى مئات المسئولين المصريين، بل وتحول لدى قطاع كبير منهم عبر العصور إلى عقيدة، فرضت على النظام الحالى أن يتحمل إرث محمل بآلاف الفاسدين، يجعل من الإجحاف تحميله مسئولية انحرافهم، خاصة فى ظل قضايا الفساد التى تعلن عنها هيئة الرقابة الإدارية عن ضبطهما بشكل متلاحق، وأوامر سيادية صريحة بعدم التستر على فاسد أو مرتشى أى كان موقعة.

 

ورغم ذلك فإن المكاشفة تحتم الإعتراف بأن مؤشرات منظمة الشفافية الدولية مازالت تضع مصر بين الدول المائة الأولى الأكثر فساد فى العالم، فى الوقت الذى حولت فيه أسماء الشخصيات القيادية الذين تم ضبطهم فى قضايا فساد إلى المحاكمة، ولكن جهود الدولة فى محاربة الفساد تحولت من نجاح إلى نقمة، حيث فضل البعض معها تعميم نموذج المسئول الفاسد على كامل منظومة الحكومة.

 

مواجهة الفساد

 

كما أن الشفافية تقتضى الإعتراف أيضا بأن البرلمان والحكومة تساهمان بشكل كبير فى دعم ذلك التعميم الظالم، بل وتعمق سلوك الفساد والرشوة والانحراف الوظيفى بما يصدرانه من قوانين وقرارات غير مدروسة، يغلقان بموجبها الأبواب المشروعة أمام المواطن، ويفتحان أبواب الرشوة والثراء غير المشروع لالاف المسئولين المنحرفين على إختلاف درجاتهم الوظيفية.

 

فلا أدرى كيف لم ينتبه البرلمان والحكومة حتى اليوم إلى أن كل القوانين والقرارات تتعلق بتركيب المرافق خلال الشهور الأخيرة، قد  أغلقت الأبواب المشروعة أمام المواطن، وفتحت أبواب الفساد للمرتشين واللصوص، وجعلت من السلوك المنحرف للنموذج الفاسد الذى يتعامل معه المواطن يوميا مبررا لتعميمه، وألقت بأثار نفسية وإجتماعية كارثية على المواطن الفقير، بشكل جعله ناقما على الدولة بكافة قطاعتها.

 

ولعل ما يدعو للعجب، أن كم الأموال والثروات التى تم ضبطها بحوزة عشرات اللصوص من المسئولين الفاسدين الذين تم ضبطهم فى قضايا الفساد خلال السنوات الأخيرة لم تلفت نظر البرلمان والحكومة لإغلاق أبواب الفساد والرشوة التى كشفت عنها التحقيقات، والتى سهلت لهؤلاء الفاسدين التربح على حساب المال العام.

 

والأغرب، أنهما شرعا في فتح أبواب فساد جديدة، سهلت للصوص جدد التربح على حساب المال العام، وذلك بما استحدثانه من  قوانين وقرارات ولوائح معقدة، مثل قوانين الشهر العقارى، وتراخيص وشروط البناء، وتركيب المرافق للعقارات، والتى اضطرت المواطن للتعامل مع منحرفين في الظلام من أجل إنهاء إجراءاته.

 

الواقع يقول أن الفساد بات بمثابة وباء يجتاح كل دول العالم، بدليل قائمة المشاهير التى تعدت ال 330 شخصية من 90 دولة، التى كشفت عنها "وثائق باندورا" مؤخر، والذين نحجوا جميعا فى تهريب ثروات غير مشروعة من بلادهم، عبر شركات خارجية سرية ومعقدة، لها القدرة على نقل وإخفاء الأموال فى عقارات وأصول فى دول مثل بريطانيا وسويسرا وسنغافورة، وأقاليم ما وراء البحار بجزر كايمان والعذراء البريطانية، التى تسمح قوانينها بتأسيس شركات تعمل على إخفاء الأموال المهربة في أصول يصعب على أيه جهة معرفة مالكها الأصلى، في مقابل ضرائب زهيدة تسمى بالملاذات الضريبية، لدرجة أن حجم الأموال المنهوبة المخبأة بتلك الدول وصل وفقا لبعض التقديرات إلى 32 تريليون دولار.

 

 

الواقع يقول أن سلوك الفساد بات عالميا، وتخضع مواجهته لتقديرات تحددها كل دولة وفقا لظروفها الداخلية، وهو ما يحتم على البرلمان والحكومة المصرية ضرورة إعادة النظر في كثير من القوانين والقرارات التى تسمح للصوص التلاعب بالبسطاء، مع استحداث تشريعات قاسية وصريحة وغير قابلة للتأويل، تجعل الإقتراب من الرشوة والعبث بالمال العام بمثابة نهاية لكل فاسد.. وكفى.

الجريدة الرسمية