رئيس التحرير
عصام كامل

الفساد خطر داهم يجب مواجهته!

ليست المرة الأولى التي أكتب فيها عن الفساد ولن تكون الأخيرة فظاهرة الفساد واحدة من الظواهر الاجتماعية التي لا يخلو منها مجتمع بشري، ومن حسن حظي أنني قد حضرت هذا الأسبوع مناقشة أطروحة دكتوراه عن "اتجاهات المواطنين نحو الفساد في المجتمع المصري" لأحد الباحثين الشبان الجادين المتميزين من المتخصصين  في علم الإجتماع السياسي وهو الدكتور إسلام سامي المدرس المساعد بقسم علم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة المنوفية، وهو ما شجعني على العودة مجددًا للكتابة حول موضوع الفساد، فمصر مثلها مثل كل المجتمعات شهدت خلال تاريخها الممتد عبر ألاف السنين أشكالا متعددة من الفساد، لكن ما تبلور في مصر من فساد منذ مطلع السبعينيات وحتى الآن لا يمكن أن يضاهيه كل ما مر بها عبر تاريخها من أشكال الفساد.

 

 فمنذ أعلن الرئيس السادات عن تخلي مصر عن مشروعها الوطني والقومي والتنموي لصالح مشروع التبعية والإنفتاح، والفساد ينمو بشكل سرطاني في جسد الوطن، فلا يمكن أن أنسي مقولات البسطاء من أهالينا حين يتحدثون عن الرئيس السادات وأيامه وكنا في ذلك الوقت أطفال وصبية صغار لا نعرف شيء عن مبادئ الاقتصاد والسياسة "أن من لم يغتني في عصره لن يرى غنى أو نعمة من بعده"..

الانفتاح والفساد

 

وعندما كبرنا وبدأ وعينا يتشكل أدركنا أنهم يتحدثون عن الانفتاح الاقتصادي والسمسرة والمضاربة والسرقة والنهب والإتجار في كل شيء دون وازع من أخلاق أو ضمير، فسمعنا عن ظواهر اجتماعية تنم عن إنهيار تام في منظومة القيم داخل المجتمع، وترسخت بأذهاننا مقولة الكاتب الصحفي الكبير أحمد بهاء الدين للرئيس السادات نفسه أن هذا الانفتاح يشكل وبالا على الشعب المصرى لأنه "إنفتاح سداح مداح" والذي بفضله ظهرت أنواع وأشكال متعددة من الفساد.

 

ويأتى الفساد الكبير في المقدمة ذلك الفساد الذي تجسد في البداية فيما أطلق عليه "القطط السمان" مجموعة من الفاسدين الكبار الذين يرتبطون بعلاقات وطيدة مع السلطة السياسية وصلت إلى علاقات مصاهرة مع رأس الدولة ذاته وتاجر وسمسر هؤلاء في كل شيء حتى كونوا ثروات ضخمة، وبدأنا نسمع عن أصحاب الأرانب والمقصود بها المليون جنيه فتشكلت مجموعة من المليونيرات من أصول اجتماعية واقتصادية لم تكن تسمح لهم بتشكيل تلك الثروات غير المبررة.

 

وهذا النوع من الفساد الكبير ظل موجودا بل دخلت عليه تطورات كبيرة خلال حكم الرئيس مبارك وهو ما تبلور مؤخرا في شكل مجموعة من رجال الأعمال الذين يسيطرون على الإقتصاد الوطنى غير المنتج عن طريق علاقات وثيقة الصلة بالسلطة السياسية، تحولت في أواخر عصر مبارك إلى بروز ظاهرة تزاوج رأس المال والسلطة، فأصبحوا شركاء لمبارك في حكم مصر.

 

أما النوع الثاني فهو الفساد المتوسط والذى بدأ ينمو وينتشر داخل الجهاز البيروقراطي للدولة حيث وكلاء الوزارات وكبار المديرين ونوابهم ورؤساء الأقسام داخل شركات ومصانع ومؤسسات الدولة المختلفة، والذين تعاملوا مع المال العام على أنه مال خاص فأخذوا منه ما لا يستحقون وبدأت عمليات الرشوة والمحسوبية والوساطة تنتشر بشكل وبائي داخل الجهاز الإدارى للدولة مما أدى إلى إنهيار المؤسسات العامة وتراجع العملية الانتاجية وبدلا من تحقيق مكاسب داخل هذه الشركات والمصانع والمؤسسات بدأت تحقق خسائر ضخمة كمقدمة لإتخاذ قرار بضرورة التخلص من ممتلكات الشعب بدلا من التخلص من هؤلاء الفاسدين الذين يديرونها، وقد إتخذ هذا القرار بواسطة الفاسدين الكبار الذين سيشترون وسيسمسرون من وراء عمليات البيع.

مواجهة الفساد

 

وفي ظل هذه الأجواء انتشر الفقر بشكل غير مسبوق لدى الغالبية العظمى من المصريين وتحت وطأة الحاجة والفقر بدأ الفساد الصغير ينتشر بين جموع المصريين، فلا مصلحة تقضى إلا بالدفع من العملات المالية ذات الفئات المختلفة، وأصبحنا نسمع عن نظرية الأدراج المفتوحة، وتطورت المسألة بشكل كبير فالموظف الشريف أصبح متسولا والأكثر جرأة أصبح مبتزا مقابل تقديم الخدمة والأكثر بيعا لضميره أصبح مرتشيا والجميع يبرر تسوله وابتزازه ورشوته بعدم كفاية راتبه لسد رمق أسرته..

 

 

وبعد هذا التوصيف يتبادر للذهن ذلك السؤال المشروع الذي يحجم كثير من الباحثين عن طرحه وهو كيف نواجه هذا الفساد؟! 

الإجابة تؤكد أنه علينا أن نبدأ فورا معركة مواجهة الفساد الكبير المتمثل فى مجموعة رجال الأعمال الذين كونوا ثرواتهم بتحالفاتهم مع نظامي السادات - مبارك والذين يسيطرون على مقدرات الاقتصاد الوطني، وعدد هؤلاء محدود للغاية، وعند بداية المعركة سيدخل الفساد المتوسط للجحور، وعندما تبدأ عمليات التنمية الحقيقية وتوزع عائداتها على الفقراء سيختفى الفساد الصغير، وسوف تتشكل منظومة قيم جديدة معادية للفساد والفاسدين، اللهم بلغت اللهم فاشهد.          

الجريدة الرسمية