رئيس التحرير
عصام كامل

رقصة الموساد الأخيرة

ما بين الصحافة والأدب توجد مساحة تراوح ما بين مباشرة «الخبر» ومراوغة «النص»، وفي هذه المساحة تنمو حكايات تمزج ما بين الحقيقة والخيال، وهذا ما يمكن رصده في قصص الكاتب الصحفي، حمدي الحسيني، في مجموعته «رقصة الموساد الأخيرة»، الصادرة عن دار النخبة للطباعة والنشر.

انتقى الحسيني أبطال حكاياته من بين شخصيات واقعية، إذ يقول في مقدمة كتابه: «مجموعتي القصصية التي بين يديك ليست مجرد قصص من وحي الخيال لتسليتك واستعراض قدراتي اللغوية، بل هي حكايات قريبة من الواقع عايشت بعض أحداثها بنفسي، واقتربت من بعض أبطالها، فهي أٌقرب للقصة الصحفية الحقيقية مع اختلاف طفيف في الأسماء والمواقع».

 

 

ويغلب على شخصيات المجموعة أن معظمها جاء من مجتمع بسيط (ريفي أو شعبي) ثم سرعان ما ارتقى السلم ليصل إلى القمة، غير أنها غالبا قمة «مراوغة» تشبه صهوة الخيول البرية التي لا تقبل أن يمتطيها أحد، فتسقطه أرضا في أقرب فرصة، تماما مثل حبيب هلال في قصة «الدبلوماسي العاشق»، القادم من طنطا إلى عواصم العالم، لتنتهي حكايته بشكل مأساوي.. وكذلك الحال، مع فريد بطل قصة «رقصة الموساد الأخيرة»، التي أخذت عنوانا للمجموعة، فهو ذلك الرجل الذي «اكتشف وهو في الخامسة والستين من عمره، وبعد ثلاث زيجات أنه لم يمارس حياته العاطفية والجنسية كما ينبغي».

 

وفي تفاصيل الحكاية، يمضي فريد في طريقه ساعيا لتحقيق طموحه الجامح، في عاصمة النور (باريس) قادما من صعيد مصر، إلى أن تنتهي حكايته المتخمة بالنساء وحياة الليل وخيانة وطنه، بشكل مفجع لكنه يليق بـ«خائن».

تشويق وإثارة

 

وبلغة سهلة ورشيقة، تذكرنا بكتابات حقبة الأربعينات، يسرد حمدي الحسيني قصصه وحكاياته، التي تمزج لغة الصحافة بلغة الأدب، محاكيا روايات تلك الفترة التي شهدت تميز الأقلام الصحفية في سرد ما يدور في كواليس الحكم والسياسة والمجتمع.. إذ تتميز لغته بالبساطة والسلاسة، من خلال جمل قصيرة مباشرة، وعبارات مختصرة لكنها كافية لإيصال تفاصيل الحدث.. وفي المجموعة القصصية «رقصة الموساد الأخيرة»، يمكنك تحديد أضلاع مثلث (السياسة والمال والجنس) في كل حكاية، فهذا المثلث يمثل أكثر الدوافع التي تحرك الناس، خصوصا الرجال الغارقين في عشق السلطة والنفوذ.

 

وربما تلاحظ في هذه المجموعة أن الرجل دوما له كلمة السبق، فهو «الفاعل» ولو «ظاهريا»، إذ إنك حين تتأمل مآلات هذه القصص، ستجد أنه (أي الرجل) «مفعول به»، فهو لعبة في يد غرائزه وشهواته تارة، كما أنه لعبة في يد المرأة تارة أخرى، وذلك يكشف بوضوح فكرة تعدد الأبعاد في ما نراه بأعيننا، فما تظنه حقيقي في البداية لربما تجده زائفا في النهاية، لتكتشف الحقيقة حين تتمعن وتدقق وتحاول فهم الأشياء والأمور والأحداث بتأن.

 

وتمثل مقدمة كل قصة في مجموعة «الحسيني» ما يشبه القصة القصيرة جدا، إذ أنه يختزل تفاصيل الحكاية كلها في سطور معدودة، يعطيك فيها الخلاصة، لكنه لا «يحرق» التفاصيل، ما يشعل الرغبة داخلك لمعرفة «كيف حدث؟» أكثر من اهتمامك بـ«ماذا حدث؟»، ولنأخذ مثالا من قصة «البيه السايس».

 

يقول حمدي الحسيني في مقدمة هذه القصة: «مثل كثير من أبناء بسطاء القرى المصرية، ظل يسري يحلم بحياة المدين، وينتظر اليوم الذي يودع فيه حياة القرية الجافة الصعبة المملة، ويذهب إلى مصر أو القاهرة" هكذا يمهد لك مقدما العالم التقليدي لبطل الحكاية، ثم يفاجئك مرة واحدة" فنجح في تحقيق حلمه، بل تخطاه إلى عضوية البرلمان والثراء الفاحش، وكذلك يفعل حين ينقلك إلى الجزء الأخير من الحكاية (ونحن لا نزال في سطور المقدمة)، حين يقول «ولم يتوقع أن تستدرجه سيدة كانت واحدة من زيجاته السريعة الأربع، حيث تخلى عن قريبه وولي نعمته، بعد أن سقط في قبضة الأمن، وتبينت حقيقة مصدر ثروته الواسعة غير المشروعة».

الجريدة الرسمية