رئيس التحرير
عصام كامل

من «الروتين» إلى «العلاج الغائب» يوميات تعذيب مرضى «الأجسام المضادة للهيموفيليا»

مرضى الـ«هيموفيليا»
مرضى الـ«هيموفيليا»

«الروتين.. الإجراءات الروتينية المعقدة.. المعاملة غير الآدمية».. ثلاث أزمات مزمنة يواجهها الآلاف من مرضى الـ«هيموفيليا» الذين يتعرضون لنزيف شديد ولا يجدون علاجًا لوقف النزيف؛ لأنهم أصحاب أجسام مضادة، مع الأخذ فى الاعتبار أن مريض الـ«هيموفيليا» يتعرض لنزف شديد ويحتاج لعوامل تجلط أدوية تسمى «فاكتور» منها «فاكتور ٨ و٩» لوقف النزيف، فى حين أن مرضى «الأجسام المضادة» مهما حصلوا على جرعات من «الفاكتور» لا يستجيب أجسادهم للعلاج ويستمر فى النزف، وهذه النوعية تمثل نحو 20 % من مرضى الـ«هيموفيليا»، وهى النسبة التى لا يتوافر علاج نهائى لها من غير الخاضعين للتأمين الصحى الذين لهم قرارات علاج على نفقة الدولة، بينما الخاضعون للتأمين لا يتوفر لهم بكميات كافية، ويذوقون العذاب لحين الحصول على جرعة واحدة منه نظرا لارتفاع ثمنه.
ويشكو مرضى الـ«هيموفيليا» وأسرهم من الروتين والإجراءات الإدارية الصعبة فى التأمين الصحى، فضلا عن المعاملة غير الآدمية التى يجدونها فى ظل معاناة هؤلاء المرضى من النزيف الذى يودى بحياتهم.

تعذيب المرضى
والدة «مازن» مريض بالـ«هيموفيليا»، روت لـ«فيتو» معاناتها فى الحصول على العلاج من التأمين الصحى لمرضى الهيموفيليا ممن لديهم أجسام مضادة، مشيرة إلى أن ابنها البالغ من العمر ١٢ عاما حدثت له أجسام مضادة، ويحتاج إلى علاج خاص، وأن جسده مهما يحصل على عامل التجلط «الفاكتور» لا يتوقف النزيف، ويحتاج إلى حقن معينة لكى يتقبل الجسم «الفاكتور»، وهذا النوع من العلاج باهظ الثمن، ويحسب حسب وزن الطفل أي إن كل ١٠ كيلو من وزن الطفل يحتاج لحقنة يزيد سعرها على ٥ آلاف جنيه.
والدة «مازن» اشتكت من أن مستشفيات التأمين الصحى غير آدمية لا تجد إلا الإهانة فيها، وكذلك المعاملة غير الآدمية من الأطباء، كما أن الطفل عندما يتعرض لنزيف يحتاج إلى ٨ حقن، ولجنة أمراض الدم تصرف له حقنة واحدة فقط لا تكفي.
وتابعت: كثرة النزيف تسبب فى حدوث إعاقة فى مفاصل القدم واليد للطفل، وعلى الرغم من صرف التأمين الصحى حقنة واحدة فقط، لكنها لا تكون متاحة إلا بعد توفير أوراق كثيرة تطلبها اللجنة وروتين حكومى يمتد لأسابيع، ما يضطرها أحيانا لوقف النزيف بأقراص «ترامادول» لكى لا يتألم الطفل.
وذكرت والدة «مازن» وجود حالات أصيبت بنزيف فى المخ مصابة بأجسام مضادة ورفضت المستشفيات علاجه، ولجأ إلى أماكن خاصة، مضيفة أن: «المصاب بأجسام مضادة يحتاج إلى جرعات مكثفة من (فاكتور ٧)، ولجأت إلى بروتوكول علاج خارج التأمين الصحى على نفقتى الخاصة بعد المعاناة مع التأمين الصحى إلى الدرجة التى جعلت ابنى يواصل حياته على كرسى متحرك، ناهيك عن كم الإهانات والبحث عن عيادات التأمين الصحى للحصول على خطاب لتحويل لجنة أمراض دم، وتصميم إدارة التأمين الصحى على حضور الطفل».
وتابعت: «ابنى عايش على كرسى متحرك داخل البيت ويصرخ من الألم ليل نهار، ولا يلعب مثل زملائه من عمره، ولا يذهب للمدرسة، ولا يستطيع المشى مسافة طويلة، كما أن الأطفال كثيرا ما يتعرضون إلى بتر بسبب تلف المفاصل، ويوجد طفل من كثرة النزيف حصل له شلل نصفى، فى حين هناك دول فور ولادة الطفل والتعرف على إصابته بالهيموفيليا يصرف العلاج له منزليا ووقائيا طول العمر للطفل، فلا يمكن أن ينزف طالما يحصل على العلاج الوقائي».
وروت والدة «مازن» أن ابنها تعرض فى إحدى المرات لنزيف شديد، فما كان منها إلا اللجوء لأقرب مستشفى لصرف مشتقات دم له، وبعد استكمال أوراق لمدة ٦ ساعات والطفل ينزف ويحتاج مع استمرار وقت النزيف إلى جرعات أكثر، لتفاجئ بإحدى الطبيبات تقول لها: «ابنك نقل دم بفلوس كتير كفاية كده».

العلاج
بدوره.. قال محمد أبو حجر، مريض هيموفيليا: «علاج مرضى الأجسام المضادة من الهيموفيليا ليس متوفرا وتوجد صعوبة فى توفيره فى التأمين الصحى، وليس له أكواد علاجية فى منظومة نفقة الدولة وغير مدرج بها ويحتاج المريض إلى عدة حقن تبلغ تكلفة الواحدة أكثر من ٥ آلاف جنيه، ويمكن حقنه عدة مرات لحين عودة جسمه إلى وضعه الطبيعى، ويستطيع أن يقبل الفاكتور العادى لوقف النزيف.


من جانبها قالت الدكتورة ماجدة رخا، رئيس جمعية أصدقاء مرضى النزف: ٢٠% من مرضى الهيموفيليا يتعرضون إلى وجود أجسام مضادة ترفض استقبال الجسم للعلاج المخصص لها، وهو «حقن الفاكتور» لوقف النزيف نتيجة سوء استخدام الفاكتور، وهو أحد عوامل التجلط، ويتعامل معه الجسم كأنه جسم غريب، وعندما يأخذه المريض لا يستجيب الجسم له عند النزيف.


وكشف «د. ماجدة» أن عدد مرضى الهيموفيليا ما يقرب من ٨ آلاف مريض، وينقسمون إلى نوعين (أ) و(ب)، النوع الأول يشمل 5 آلاف مريض، هو ما يتعرض إلى حدوث أجسام مضادة، وهناك علاج آخر يحل محل الفاكتور ٨ و٩ الذى يرفضه الجسم، وهو فاكتور ٧، يمكن أن يستجيب له الجسم، إلا أن تكلفته مرتفعة يتوقف سعرها حسب وزن الجسم وشدة النزيف ودرجة الإصابة، ويتم حساب الجرعة لوقف النزيف، ويبلغ سعر الوحدة ٧٥٠٠ جنيه، ولا يمكن لمريض أن يعتمد على نفقته الخاصة فى توفيرها، مشيرة إلى أن ذلك العلاج غير متوفر بكميات مناسبة.


وأضافت: جهات تقديم العلاج إما التأمين الصحى للأطفال من عمر الولادة حتى التعليم ما قبل الجامعى، والمؤمن عليهم، أو من يحق لهم صدور قرارات نفقة الدولة، وأهم مشكلات المرضى مع التأمين الصحى هو توفير كميات غير كافية للمرضى، وسوء توزيع فى كل المحافظات، كما أن إجراءات صرف الفاكتور صعبة لأن مريض الهيموفيليا عندما ينزف يحتاج إلى الفاكتور فى مدة ساعتين، ولو استمر النزيف لفترة طويلة فى المفصل يمكن أن يؤدى إلى تلف المفصل وتحدث له إعاقة.

تشخيص الأجسام المضادة
كما أوضحت أن «تشخيص الأجسام المضادة غير متوفر فى كل المعامل سوى المعامل المركزية التى تستطيع التشخيص بدقة، بينما مختلف المرضى على مستوى الجمهورية لا يجرى تشخيصهم بصورة صحيحة، لذا يتأخرون فى تناول العلاج مما يسبب نزيف شديد إلى أن يتوفى أو يتلف المفصل، كما أنه لا يوجد بروتوكول مفعل لمرضى الأجسام المضادة فى كل الأماكن، وعلاج الأجسام المضادة فى بعض مراكز التأمين الصحى أو الجامعات وليس جميعهم، وهناك علاج جديد مرخص حديثا يمكن أن يحمى الطفل مصاب الهيموفيليا من التعرض للنزف والإعاقة، وهو علاج وقائى يحصل منه على جرعتين أسبوعيا وغير متوفر بكثرة.


«د. ماجدة» تابعت: التأمين الصحى سوف يبدأ تنفيذ العلاج الوقائى كمرحلة أولى من عمر عامين إلى ٦ سنوات على مراحل نظرا لارتفاع ثمن العلاج ولن يطبق فى كل المحافظات، نظرا لأنه يحتاج إلى ميزانية ضخمة ويجب ضمان استمرارية تناول العلاج، ومن ضمن مزاياه أنه حقن تحت الجلد، وليس بالوريد لتقليل الحقن للأطفال وحماية الطفل من زيادة النزيف.


وشددت على ضرورة أن ينتبه أطباء أمراض الدم لهؤلاء المرضى أصحاب الأجسام المضادة، مشيرة إلى أنه ليس كل المستشفيات فيها تخصص أمراض الدم، وكذلك التوعية بما يسمى الأجسام المضادة، ولهذا من الضرورى توفير العلاج البديل لهم بكميات مطلوبة.


وقالت: المرضى غير المؤمن عليهم الذين يعتمدون على قرار نفقة لدولة ليس لهم أي علاج سوى الفاكتور العادى ٨ و٩ لمرضى الهيموفيليا غير المصابين بأجسام مضادة ويصرف لهم قرار بـ٦ آلاف جنيه كل ٦ أشهر ولا يكفيهم، بينما من يتعرض لأجسام مضادة لا يوجد له علاج نهائى وهؤلاء أكثر من يعانون، ومعونة الاتحاد العالمى لهيموفيليا توفر فاكتور ٨ وفاكتور ٩، ولا توجد وسيلة أمام المريض للعلاج من الأجسام المضادة، ولهذا من الواجب وجود بروتوكول علاجى موحد لحماية الأطفال من النزيف والمضاعفات.


كما أشارت إلى أن علاج الإعاقة مكلف، وتغيير مفصل لمريض تصل تكلفته إلى ٧٥٠ ألف جنيه نظرًا لحاجته لتوفير فاكتور أثناء العملية وبعدها، هذا إلى جانب أن توفير الفاكتور للمريض كنوع وقائى أفضل من لجوء المريض إلى تغيير مفصل، وهو أمر مطبق فى كل دول العالم.

المشروع القومي بالبلازما
«د. ماجدة» لفتت إلى أن المشروع القومى للتبرع بالبلازما سوف يساعد كثيرا فى تخفيف مشكلات مرضى الهيموفيليا، موضحة أن بعض المرضى يعتقدون أن جمع البلازما فى المشروع لاستخدامه فى علاجهم، لكن الأمر غير ذلك، لأن طرق العلاج بالبلازما قديمة وغير فعالة بل الهدف من جمع البلازما لاستخدامها فى التصنيع لمشتقات الدم منها الفاكتور بسعر أوفر، وتكون متاحة بكميات أكبر، ولا يكون المريض تحت رحمة الاستيراد، إلا أن المشروع يحتاج توعية للتبرع واستمرارية فيه؛ لأن الفاكتور هو العلاج المثالى للمريض، ولم يكن لدينا فى مصر تصنيع فاكتور، ويستورد من الخارج بأسعار مرتفعة وعملة صعبة وكميات قليلة لا تتناسب مع احتياجات المرضى، ويستهدف المشروع تصنيع منتجات لعلاج الهيموفيليا (أ) و(ب)، كما يوفر كميات كبيرة يحتاج إليها المرضى ويمكن توفير العلاج الوقائى.

 

نقلًا عن العدد الورقي…،

الجريدة الرسمية