رئيس التحرير
عصام كامل

أمريكا تعطي قبلة الحياة للإرهاب!

بداية لا أحد يقف إلى جانب أي قوى لاحتلال دولة ذات سيادة أو حتى أرض ليست له، لكن ما يحدث على الساحة الدولية منذ سنوات تم التخطيط له بعناية ويجعل الشعوب تتندم على أيام احتلال مضى أو على نظم حكم ديكتاتورية سقطت بعد أن عاشت الفوضى والإرهاب وعدم الاستقرار في ظل ما يسمى بالديمقراطية، بل وتعطى دعما لا محدود  لاستمرار وتقوية شوكة أنظمة ديكتاتورية مازالت موجودة على الساحة بعد أن يتم تصدير ما يحدث إلى شعوبها.

مثلا لبنان كانت نموذجا للدولة الديمقراطية التي يحتذى بها في المنطقة لكن ما حدث وما يحدث فيه منذ سنوات جعل فئة ولو قليلة من الشعب اللبناني تنادي بعودة الاحتلال الفرنسي! وماحدث في العراق وليبيا واليمن يجعل البعض من شعوب هذه الدول يتندم على أيام ديكتاتورية صدام حسين والقذافى وعلى عبد الله صالح !

 

يعنى  المخطط الغربى نجح، بل وساعدناه نحن على التفوق. نعم المؤامرات موجودة، لكن  لم تكن لتنجح لولا أنها  وجدت من يساندها من داخلنا لخدمة الأهداف الاستعمارية بشكلها الجديد سواء بخلق صراعات بين الدول وبعضها، أو داخل الدول ذاتها هنا وهناك، وإشعال النار هنا وهناك حتى ينفرط عقد كل دولة من داخلها  لتتحول إلى شيع وفرق متناحرة!!

والآن ما يحدث في أفغانستان إحدي حلقات المسلسل الجهنمي لتمزيق الشرق الأوسط وما حوله والذي بدأ تنفيذه  بعد هجمات 11 سبتمبر الشهيرة على أمريكا وانتشر تحت مسمى الفوضى الخلاقة الذي أطلقته وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس.. وكانت الحلقة الأخيرة في قطر في  فبراير 2020 باتفاق بين أمريكا وطالبان بخصوص انسحاب واشنطن من أفغانستان، وحدد الرئيس الأمريكي جو بايدن موعدا رمزيا لإنهاء الانسحاب في 11 سبتمبر 2021 وهو ذكرى الهجمات التي خطط لها ونفذها -طبقا للمزاعم الأمريكية- تنظيم القاعدة والذي كان يتخذ من أفغانستان مقرا له!!

التوقعات الأمريكية تتهاوى 

وبدأت التوقعات الامريكية تتهاوى، أو تتكشف قل ما شئت، فقد أعرب جو بايدن عن ثقته في أن المسلحين لن يطيحوا بالحكومة في كابول، وأن هناك قوات حكومية قوية قادرة على حماية البلاد من طالبان، وأنفق الامريكان عليها كما يقولون أكثر من 80 مليار دولار في التدريب والمعدات العسكرية .لكن المخابرات الامريكية أكدت أن النتيجة ستكون سقوط البلاد في قبضة طالبان في غضون ستة أشهر من رحيل القوات الأمريكية.

لكن ما حدث خالف كل التوقعات.. فقد تهاوت العاصمة كابول والعديد من الولايات الأفغانية والبقية مستمرة خلال الأيام القادمة.. واختفت القوات الحكومية وهرب رئيس البلاد وأعوانه أمام الجماعات المسلحة ولم نرى الطائرات والمدافع والدبابات والتدريبات التي أنفق عليها أكثر من 80 مليار دولار..

الآن كل  السيناريوهات أصبحت  قابلة للتحقق على الساحة الأفغانية وخارجها.. لكن ما يحدث على الساحة الأفغانية يطرح العديد من التساؤلات منها: هل خروج الولايات المتحدة من أفغانستان  يعد هزيمة بعد إنفاق أكثر من ألف مليار دولار طبقا لبعض التقديرات بعد إحتلالها منذ نحو 20 عاما.. أم خرجت لتعطى مهمة التنفيذ والإجهاز على أفغانستان ودول المنطقة لطالبان.. باختصار سلمت أفغانستان لطالبان أم سلمتنا جميعا لأيدي التنظيمات الإرهابية؟!

هل حققت واشنطن أهدافها هناك وفي المنطقة أم تضاف إلى  سجل هزائمها في فيتنام والصومال وغيرها أم انتقلت إلى مرحلة جديدة من أشكال الاحتلال والهيمنة بأيد الوكلاء وبعيدا عن دماء الأمريكان؟! هل تحولت أفغانستان إلى واحة الديمقراطية مثل العراق!! كما وعدت واشنطن لتبرير احتلالها للبلدين أم ما نراه هناك أضغاث أحلام لايراها إلا نحن؟! هل خروجها من هناك يعنى خطة أمريكية  لتصدير أزمة لعدوتها روسيا لاستنزافها في الجبال الأفغانية وتصدير التوتر لها وللبلاد المجاورة؟!

والسؤال الأقدم: لماذا رفض الجميع خاصة في دول الشرق الأوسط والاسلامى إحتلال الإتحاد السوفيتى لأفغانستان بل ودعمه بكافة أشكال الدعم للجماعات الإسلامية هناك لمقاومة السوفيت، ثم ترحيبه أو قل صمته على الإحتلال الامريكى لها ؟! هل ستستمر الدول التي ساعدت طالبان والقاعدة وما نشأ عنهم من تنظيمات إرهابيىة عندما احتلت القوات السوفيتية أفغانستان وظلت تساعدهم وحتى الآن.. هل ستستمر في الدعم الآن لطالبان بعد أن تمكنت من البلاد الآن ؟!

 

والسؤال المهم هل الخروج الأمريكي وتسليم أفغانستان لطالبان وتنظيم القاعدة وما يتبعها من جماعات تنظيمات هى حيلة شيطانية أمريكية جديدة لدعم التنظيمات الإرهابية بتحويل أفغانستان إلى مفرخة  لتوالدها وتدريب عناصرها وتنظيم صفوفها  ومنصة للانطلاق للقضاء على ماتبقى من دول الشرق الأوسط  وتأديب من يخرج عن طوع الكاوبوى!

بايدن وأفغانستان

في البداية يؤكد الكثيرون أن موقف بايدن من التواجد الأمريكى المسلح في الخارج عامة وأفغانستان على وجه الخصوص معروف.. مثلا قال بايدن للناخبين  في حملات الدعاية لترشحه للرئاسه 2019 بأنه سيكون أول رئيس منذ دوايت أيزنهاورفي الخمسينيات من القرن الماضي، كان لديه ابن خدم في مناطق صراع محتدم.

 وفي مذكرات ريتشارد هولبروك، المبعوث الخاص لأفغانستان في السنوات الأولى من إدارة أوباما، يذكر أن بايدن قال له بغضب: "لن أقبل بأن يرسل ابني إلى هناك للمخاطرة بحياته من أجل حقوق المرأة الأفغانية.. ليسوا هناك من أجل ذلك".

وقال بريت بروين الدبلوماسي السابق إن وجهة نظر الرئيس بايدن غالبا مردها لسنوات طويلة من الخبرة في السياسة الخارجية: "لقد عاش الكثير من هذه الصراعات، ليس فقط فيتنام وحرب العراق ولكن أيضا كوسوفو وغرينادا. أعتقد أن هناك قدرا معينا من الحيطة وكذلك المعاناة في الطريقة التي ينظر بها إلى هذه التحديات".

وخلال السباق الرئاسي عام 2020، قال بايدن لشبكة سي بي أس "ينبغي أن ينحصر وجود قوات للولايات المتحدة في أفغانستان لضمان عدم تأسيس طالبان وتنظيم الدولة أو القاعدة موطئ قدم لهم هناك".

لكن هذا لم يتحقق!!

 لكن الأمر الخطير الذى لا بد من العمل على مواجهته من الآن هو الإستعداد  جميعا، دولا وشعوبا وقادة وافرادا وهيئات ومنظمات وفى مقدمتها الاعلام والمؤسسات الدينية والثقافية والتعليمية.. الخ إلى حلقة ثانية من إشتعال المنطقة بعد أن بث الإنسحاب الأمريكى من أفغانستان قبلة الحياة لكل التنظيمات الإرهابية، فقد  صار لهم مقرا ومنصة يتجمعون فيها، يتوالدون ويتدربون ثم ينطلقون إلينا جميعا! 

Yousrielsaid@yahoo.com

الجريدة الرسمية