رئيس التحرير
عصام كامل

النور مكانه في القلوب.. حكاية ميكانيكي التكاتك "الكفيف" في إمبابة | فيديو

فيتو
على مقربة من منطقة أرض الجمعية في حي إمبابة، وتحديدا في شارع "محمد محمود" تتجسد هناك الإرادة القوية والعزيمة التي لا تُقهرها قوى الظلام، فهناك حيث ورشة لصيانة "التوكتوك" يقف أحمد رمضان، أول ميكانيكي كفيف في مصر، يمسك بالعِدة، يتحسس العطل الذي صيب أحد جوانب التوكتوك الخلفية، يستمع إلى صوت الموتور بحاسة سمعه القوية ليحدد ما هو العيب وكيفية معالجته.






الميكانيكي أحمد.. فقد بصره ولم يفقد بصيرته


حينما كان في الصف السادس الإبتدائي، كان أحمد مبصرًا مازال يستمتع بكافة الألوان حوله قبل أن يُصبغ كل شيء في حياته باللون الأسود، كانت الصدفة وراء كف بصره، فقد كان يحاول أن يفض مشاداة حدثت بين اثنين من أصدقائه، فأصيب بلكمة في عينه أسقطت شبكية عينه، أجرى بعدها عملية جراحية عاد إليه بصره على إثرها مدة ثلاثة أشهر ثم تراجع تدريجيا حتى أصبح كفيفا تماما، في بداية الأمر استسلم أحمد لقوى الظلام ابتلعته مدة تجاوزت الثلاثة أشهر، حتى قرر أن يستكمل تعليمه في مدرسة داخلية للمكفوفين وانضم لفرقة الموسيقى بالمدرسة، حتى التحق بقسم اللغة العربية بجامعة عين شمس، ولكنه قرر ألا يعمل بشهادته.


صيانة التكاتك
كان أمام أحمد طريقان، إما أن ينتظر دوره في تعيين الـ 5% الخاصة بذوي القدرات الخاصة في مصر، أو أن يتعلم مهنة أو حرفة يحصل منها على قوت يومه، ولأنه كان قد اشترى توكتوك ليدر عليه ربحا من خلال استئجار أحد أصدقائه للعمل عليه بعد تخرجه من الجامعة، أصبح هذا التوكتوك هو كل شيء في حياته كلما حدث به أي عطل يقوم هو بإصلاحه ومع الوقت تعلم صيانة كافة عيوب التكاتك، وهذا منذ سبع سنوات وحتى  اليوم


وتابع "في الوقت ده كان صاحبي فتح ورشة زيت اللي أنا شغال فيها دي، قلت له عايز اشتغل معاك ميكانيكي واشتغلت، وبدأت أصلح مكن زمايلي وأصحابي، وكنت بخاف أظهر للناس برة لأنها مش هتثق في حد كفيف يصلح لهم مكنهم" .


لا مكان لليأس في قلب "الميكانيكي الكفيف أحمد"


لم يعرف اليأس يوما طريقه إلى قلب الميكانيكي الكفيف أحمد، فبعد أن تعرض للعديد من المضايقات من الجميع حتى أن أصحاب الورش المحيطة به في حي إمبابة كانوا يقولون له "وإحنا هنعمل بك إيه"، الكثير من الأبواب أُغلقت في وجهه لكن الأمل كان هو المحرك الأساسي له، الضوء الخافت الذي يتسلل إلى طريقه فيقضي على الظلام الذي ساد كافة جناباتها منذ أن كان في العاشرة من عمره، يقول أحمد في حديثه لـ"فيتو" :"فضولي هو اللي خلاني أمسك مفك واشتغل في الميكانيكا، وفي التوكتوك بشكل خاص، أصعب حاجة في فقدان البصر بيحس إنه الحياة وقفت تماما، لكن أنا قررت أكمل حياتي واشتغل في مهنة دقيقة وصعبة مش حتى مهنة كفيف، علشان كدة اختارت أكون ميكانيكي".


كان من الصعب على الميكانيكي الكفيف  أن يعرف كل شيء يتعلق صيانة التوكتوك بدون أن يتعلم أو يتدرب في مراكز تدريب متخصصة، ولكن الإصرار والعزيمة هما ما دفعاه إلى أن يستكمل طريقه رغم الكثير من الرفض والسخرية اللذين تعرض لهما في بداية عمله، أصبح اليوم متمكنًا من كل عيب في أي توكتوك يعرفه إما باللمس أو بالصوت، يستيطع من خلال هاتين الحاستين أن يعرف بالضبط ما هو العيب المتواجد في التوكتوك الذي يتولى صيانته، "الأعطال كلها بتعتمد على اللمس أو السمع، الواحد كميكانيكي مش هيقدر يعرف العطل أصلا بعينه، لأنها حاجة داخلية أنا لو الموتور دار بعرف هو إيه طبيعة مشكلته من الصوت اللي بيصدره".


حلم الميكانيكي الكفيف
حلمه ورشة كبرى يعمل بها مكفوفون ومبصرون أصبح أحمد بعد أن كان الكثيرون يخافون أن يتولى هو مهمة تصليح ماكيناتهم، أشهر صنايعي في المنطقة والمناطق المجاورة له، الجميع يأتي بحثًا عنه، فهو الصنايعي الذي يُطلق عليه "إيده تتلف في حرير"، يتمنى طوال الوقت أن يوسع في الورشة التي يعمل بها تكبر وتكبر ويأتي بالكثير من الصنايعية ليعملوا معه، "عايز أشغل ناس كتير معايا حتى لو كانوا مكفوفين زيي".
الجريدة الرسمية