رئيس التحرير
عصام كامل

حالة "هنا": الشرعية الزوجية.. والملكية العاطفية

يوشك مسلسل لعبة نيوتن على الانتهاء، تألقت فيه منى زكى في واحد من أجمل وأنضج أدوارها علي الاطلاق، ومع نهاية الحلقات، تلاحقت انفاس المشاهدين. المسلسل مكتوب بدقة الفعل ورد الفعل، كل مشهد ضربة تتلوها ضربة مساوية لها في القوة ومضادة للاتجاه. غنى عن القول أن التصوير والأداء والموسيقى والحبكة تضافرت عناصرها لتقدم للمشاهد عملا يحترم عقله، ويطرح أمامه قضية غاية في الدقة والحساسية.


ربما أعود لاستعراض جوانب مختلفة من هذا العمل الذي توهج وسط عدد لا بأس به من الأعمال التى تبارت في تمجيد البلطجة والتفاهة، باستثناء الأعمال الوطنية الثلاثة: الاختيار في الجزء الثاني، وهجمة مرتدة، ثم القاهرة كابول.

العمل الفنى الناجح هو الذي يحرك العقل، ولا ينتهى أثره بالخروج من العمل.. في هذا نجح لعبة نيوتن.. طرح بمنتهى السلاسة والرومانسية والقسوة والفجاجة قضية الحب والشرعية. الحب والحلم وقسيمة الزواج. هنا تعشق زوجها حازم بكل عيوبه البدنية وغياب وسامته.. أحبته.. والاثنان حلما معا بالوهم الأمريكي.. أن تلد طفلا على الأرض الأمريكية فيصير مواطنا أمريكيا ويحصل على الباسبور الجبار.. تنحني له دول..

مؤنس وهنا
سافرت وحدها على أن يلحق بها. الظروف عاكسته. هربت من المجموعة التى سافرت معها.. وتاهت وتمردت وأغلقت التليفون.. وجننت زوجها. شتمها.. سبها.. حتى تسلل إليها الاخوانجي اللزج.. مؤنس.. شخصية أبدع فيها بلا منازع محمد فراج.. شخصية معيارية مضبوطة على الهوى. الهوى هو الغرض. في سبيله فعل كل ما يلزم للحصول عليها زوجة لفراشه. تأدب. وانحنى وتلون وكذب وتآمر علي الزوج الشرعي، وأخفي خطابه عن زوجته المارقة..

تزوجها وهي بعد في تردد.. أقنعها بانتهاء العدة. في داخلها شعور بأنها صارت زوجة لرجلين.. كانت مشاعرها رغم العناد والسباب مع حازم.. بينما اللزج كان يطارد حازم للحصول علي قسيمة الزواج ليبني بها.

في مشهد من أعمق المشاهد.. واجهت هنا حازم: لسه عايزني. بتحبني يا حازم؟ كأي رجل سأل: لمسك؟ كانت اجابتها مستفزة: هوده اللي يهمك؟ كأي رجل هذا ما يهمه.. بالطبع. الدراما الذكية وضعت هذا السؤال الهروبى.. لكي تتحقق الاجابة فيما بعد حين تابعناها تتلقى ورقة الطلاق في الشارع علي الرصيف، ديلفرى، وأمام بيت مؤنس حيث يقيم، تمعنت في الورقة وتغضنت قسماتها.. وبكت.. بينما حازم كان يتمتع بمشاهدة حبها له وحسرتها علي أنه فرط فيها رسميا..

لم تكن دموعها وحزنها الذي تابعناه ايضا في مشهد المرآة في الحمام.. وهي تلطم وجهها بكفوف من الماء.. حزنا علي التطليق فحسب.. بل في رأيي أيضا أنها أدركت أنها ستصبح حقا شرعيا لمؤنس.. ربما تحترمه.. ربما تقدر تضحياته.. لكن مؤكد أنها لم ولا تحبه.. ولا نجحت آليته الأدمية ولا الدينية المصطنعة فى غزو قلبها.. رغم التمكين المادي.

متعة
بالفعل كان كل ما يفعله إرثا اخوانيا صرفا: التمكين.. ظن أنه تمكن منها وملكها.. لكنها أخفت عنه قسيمة الطلاق.. أخفت عنه أن بوسعه أن يعاشرها كزوجة.. لأنها ليست مستعدة، أي أنه لايزال غريبا علي جسدها.. لن يتمكن من كسر حلقاته الرافضة لدخوله حصنها كزوج شرعي.

هل نجحت الشرعية في طمس الحب والحصول علي الحق الزوجي؟ حبها لحازم.. أكد شرعيتها البدنية والعاطفية.. له وملكيتها الطوعية له.. ومنعها من التسليم لرجل عقد عليها شرعا.. مستغلا ظروفها القهرية في بلاد الأمريكان..

قسيمة الزوج لا تكفي.. الحب معها وقبلها.. يمنح الرجل مفاتيح القلاع مجتمعة. لعبة نيوتن عمل فنى متكامل.. ندين له بالمتعة وإعمال العقل وتحريك المشاعر الراقدة.. الراكدة.
الجريدة الرسمية