رئيس التحرير
عصام كامل

ما حكم الدين في جمع النقود بالمسجد ما بين الخطبتين الأولى والثانية؟

دار الإفتاء
دار الإفتاء
ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "ما حكم الدين في جمع النقود في المسجد ما بين الخطبة الأولى والخطبة الثانية؟"، وجاء رد الدار على هذا السؤال كالتالي:


لا يجوز تخطي رقاب الناس يوم الجمعة على تفصيل في المذاهب:
الحنفية قالوا: تخطي الصفوف يوم الجمعة لا بأس به بشرطين:
الأول: أن لا يؤذي أحدًا به بأن يطأ ثوبه أو يمس جسده.

الثاني: أن يكون ذلك قبل شروع الإمام في الخطبة، وإلا كره تحريمًا، ويستثنى من ذلك ما إذا تخطى لضرورة؛ كأن لم يجد مكانًا يجلس فيه إلا بالتخطي؛ فيباح له حينئذٍ مطلقًا.

الشافعية قالوا: تخطي الرقاب يوم الجمعة مكروهٌ؛ وهو أن يرفع رجله ويخطي بها كتف الجالس، أما المرور بين الصفوف بغير ذلك فليس من التخطي.

الحنابلة قالوا: يكره لغير الإمام والمؤذن بين يدي الخطيب إذا دخل المسجد لصلاة الجمعة أن يتخطى رقاب الناس إلا إذا وجد فُرجَةً في الصف المتقدم، ولا يمكنه الوصول إليها إلا بالتخطي؛ فإنه يباح له ذلك.

المالكية قالوا: يحرم تخطي الرقاب حال وجود الخطيب على المنبر ولو كان لسد فُرجَةٍ في الصف، ويكره قبل وجود الخطيب على المنبر إن كان لغير سد فُرجَةٍ ولم يترتب عليه إيذاء أحدٍ من الجالسين، فإن كان لِسَدِّ فُرجَةٍ جاز.

ودار الإفتاء تميل إلى الرأي الأخير، وترى أن جمع النقود في المسجد يوم الجمعة حال وجود الخطيب على المنبر أمرٌ غير جائزٍ شرعًا؛ لأن فيه تخطي الرقاب وانشغال الحاضرين لسماع الخطبة عن سماعها، وكلاهما أمرٌ منهيٌّ عنه شرعًا.

كما ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "ما حكم إلقاء خطبة الجمعة باللغة الإنجليزية لأهل تلك اللغة من المسلمين؟"، وجاء رد الدار كالتالي:

هناك الكثير من المسلمين ممن لا يعرفون العربية في بلاد الغرب، سواء كانوا من أهلها الأصليين أم من الأعاجم الذين وفدوا إلى تلك البلاد، وعند صلاة الجمعة يتحير الناس! هل تتم الخطبة بالعربية مع عدم فهم أكثر المستمعين لها، أم تتم بلغة يفهمها أكثر المستمعين.

وهذه المسألة تحدث عنها الفقهاء في كتاب الجمعة، وبعضهم تطرق إليها في كتاب الصلاة عند الكلام على القراءة في الصلاة؛ هل تجوز بالفارسية أم لا؟

والراجح أن الخطبة بغير العربية جائز لا شيء فيه، وتكون صلاة الجمعة صحيحة، والأولى الإتيان بالأركان بالعربية خروجًا من خلاف الجمهور.

والدليل على ذلك: أن المقصد من الخطبة تبيين الموعظة والأحكام الشرعية التي تكون في مثل خطب الحج التي يقوم الإمام فيها بأعمال الحج، فليس من المعقول أن يتكلم الخطيب في جمع لا يفهمون كلامه، وهو بوسعه أن يفهمهم. وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [إبراهيم: 4]، والمعنى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُول إلَّا بِلِسَانِ﴾ بِلُغَةِ ﴿قَوْمه لِيُبَيِّن لَهُمْ﴾ لِيُفَهِّمهُمْ مَا أَتَى بِهِ. انظر: "تفسير الجلالين" (ص: 329، ط. دار الحديث).

وما ذكرناه هو المعتمد عند الحنفية تبعًا لأبي حنيفة، خلافًا لصاحبيه، ففي سياق الحديث على شروط خطبة الجمعة قال العلامة الطحطاوي في "حاشيته على مراقي الفلاح" (ص: 277، ط. مصطفى الحلبي): [(و) الرابع (الخطبة) ولو بالفارسية من قادر على العربية] اهـ.

وقال العلامة ابن عابدين في "رد المحتار على الدر المختار" (1/ 543، ط. إحياء التراث): [لَمْ يُقَيِّدْ الْخُطْبَةَ بِكَوْنِهَا بِالْعَرَبِيَّةِ اكْتِفَاءً بِمَا قَدَّمَهُ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلاةِ؛ مِنْ أَنَّهَا غَيْرُ شَرْطٍ وَلَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ عِنْدَهُ، خِلافًا لَهُمَا؛ حَيْثُ شَرَطَاهَا إلا عِنْدَ الْعَجْزِ؛ كَالْخِلافِ فِي الشُّرُوعِ فِي الصَّلاةِ] اهـ.

وأجازه غيرهم كالحنابلة عند العجز عن العربية؛ قال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 33، ط. دار الفكر): [(وَلا تَصِحُّ الْخُطْبَةُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مَعَ الْقُدْرَةِ) عَلَيْهَا بِالْعَرَبِيَّةِ (كَقِرَاءَةٍ) فَإِنَّهَا لا تُجْزِئُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ وَتَقَدَّمَ (وَتَصِحُّ) الْخُطْبَةُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ (مَعَ الْعَجْزِ) عَنْهَا بِالْعَرَبِيَّةِ؛ لأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا الْوَعْظُ وَالتَّذْكِيرُ، وَحَمْدُ اللهِ وَالصَّلاةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، بِخِلافِ لَفْظِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ دَلِيلُ النُّبُوَّةِ وَعَلامَةُ الرِّسَالَةِ وَلا يَحْصُلُ بِالْعَجَمِيَّةِ (غَيْرَ الْقِرَاءَةِ) فَلا تُجْزِئُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لِمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا) أَيْ الْقِرَاءَةِ (وَجَبَ بَدَلَهَا ذِكْرٌ) قِيَاسًا عَلَى الصَّلاةِ] اهـ.

وإن استطاع الخطيب أن يذكر المقدمة والآيات والأحاديث باللغة العربية، ثم يترجمها بعد ذلك، فهو الأحسن، وقد جاء في قرارات مجمع الفقه الإسلامي: "الرأي الأعدل هو أن اللغة العربية في أداء خطبة الجمعة والعيدين في غير البلاد الناطقة بها ليست شرطًا لصحتها، ولكن الأحسن أداء مقدمات الخطبة، وما تضمنته من آيات قرآنية باللغة العربية؛ لتعويد غير العرب على سماع العربية والقرآن، مما يسهل تعلمها، وقراءة القرآن باللغة التي نزل بها، ثم يتابع الخطيب ما يعظهم به بلغتهم التي يفهمونها" اهـ.
الجريدة الرسمية