رئيس التحرير
عصام كامل

وداعا أعظم مذيعي التلفزيون المصري!

في أواخر السبعينيات وككل أطفال الدنيا تنطبع في أذهانهم الأشياء والأصوات والصور ومنها ما يبقى طويلا.. انطبعت صورته كمذيع يختلف عن غيره.. لا نفهم ما يقول ولا حتى نتذكر ما كان يقوله ولا أفهم كطفل سر اختلافه عن غيره، إنما صورته وصوته ظلا في الذاكرة حتى سألنا بعدها بسنوات أين ذهب هذا المذيع الذي لا نعرف اسمه؟  أين ذلك الذي يقرأ النشرة بشعره "الكانيش" الملتف حول بعضه بقمصانه دون جاكيت أو رابطات عنق؟! وبالسؤال في محيطنا لم يكن أحد يعرف الإجابة!


فيما بعد يوفر العمل بالصحافة الإجابة عن أي شيء وكل شيء.. وظل السؤال يلح.. وجاءت الاجابة.. إنه استبعد تماما من التلفزيون المصري بقرار من الرئيس السادات عام 1981 لأسباب سياسية غير مهنية مع آخرين بعد أن استبعد قبلها من قراءة نشرات الأخبار  بسبب إصراره على عدم ارتداء الزي الرسمي ولا تغيير تسريحة شعره !

ثم جاءت التفاصيل ممن يعرفونها.. إن الموضوع قديم يرجع إلى أوائل السبعينيات عندما أجرى حوارا مع وزير الثقافة وقتها يوسف السباعي حين سأله فيه عن مصير توصيات مؤتمر للأدباء في أواخر الستينيات ظلت حتى تولى يوسف السباعي المسئولية دون تنفيذ.. وغيرها من الأسئلة التي اعتبرها يوسف السباعي محرجة.. فكانت الحلقة الأولى والأخيرة من برنامجه!
وتدور الأيام وتعمل معي السيدة زوجته في مؤسسة إعلامية واحدة وأسألها عنه وتندهش إننا نعرفه.. وتأتي سيرته بالخير!

رغم كل المعاناة.. ورغم الفصل والتشريد.. لم نره مرة واحدة في لقاء مع أي قناة أو في أي مقال متاجرا بمعاناته ولا بما تعرض له كباقي تجار المعاناة ممن يروون بطولات وهمية بعضهم في الحقيقة يستحق أكثر من العقاب الذي تعرض له..

ورغم إننا لم نلتقيه مرة واحدة إلا عبر مناسبات مشتركة حتى لم نتصافح فيها ثم بالتشرف بصداقته على الفيسبوك إلا أن مشاهد صغيرة في الطفولة بقيت عالقة.. ثابتة في الذاكرة.. وهذا لم يحدث صدفة إنما لأنه كان متفردا موهوبا فبقي مؤثرا وعندما رأينا فيما بعد مناسبات قدمها وكان قد بلغ من العمر ما بلغ لكن بقيت روحه الشابة.. تأكدنا أن التلفزيون المصري وقتها خسر أفضل صوت من حيث العذوبة ومن حيث مخارج ألفاظ لغتنا العربية لا ينافسه على الشاشة - رغم حبنا وتقديرنا للعظماء الرائعين الراحلين أحمد سمير وحلمي البلك ومحمود سلطان- إلا السيدة زينب سويدان والتي وصفناها بأنها "أم كلثوم نشرات الأخبار"  !

عاش الرجل ساعيا أن يقدم لوطنه ولمجتمعه شيئا.. ربما بطريقته المتمردة.. لكنه علي الأقل سعى وحاول دون أن يؤذي أحدا أو يضايق أحدا.. ليرحل أمس في هدوء.. دون شهرة يستحقها ودون ثروة نال أضعافها تلاميذ تلاميذه!
رحم الله شفيع شلبي..
الجريدة الرسمية