رئيس التحرير
عصام كامل

في بيتنا كورونا

أنا سخن. جس جبهتى يا والدى. لا لست سخنا. أنت دافئ . يعني سخن؟ لا لست سخنا. طب نستعمل الترمومتر. تحت الإبط ولا تحت اللسان. سيان. المهم تطهره وتنثره نثرة قوية. تحت اللسان أفضل. قلت تحت الإبط . ماشي . تحت اللسان المهم نقيسها . صمت وترقب وكل عيون أفراد الأسرة الأربعة منصبة على الفم المزموم للابن المريض. كل وجوههم وراء الكمامات.اقرأ . إنها 37.7. بعد ساعتين قرأناها ٣٨.


إذن المرقف خطر وجلل. العيون نطقت بالقلق والجزع. اخرجوا جميعا من الغرفة. لا تخف الشباك مفتوح وعامل تيار. نعمل مسحة. نعمل صورة دم. اعتبرها كورونا وتعالج على أنها كذلك. خلي المسحة بعد اليوم الحادي عشر. وهل سأعيش لليوم الحادي عشر؟. فأل الله ولا فألك يا ابنى.. هتفت الأم . في الصالة اجتمعوا وتوجد حركة في المكان بلا مبرر. كلهم يلفون حول أنفسهم. بعضهم يدخل المطبخ.. ويبرطم بكلمات ثم يخرج نافخا لاعنا.. نفسه.. أنه نسى بالفعل لماذا دخل المطبخ.

خائفون من الفيروس.. خائفون من اللقاح

تذكره الزوجة أنه دخل ليعد كوبا دافئا من الليمون والعسل والزنجبيل والكركم والفلفل الأسود ! يخبط الآب على رأسه.. حزينا أن النسيان سمة من سمات التقدم في العمر . عاد للمطبخ وهو يحاجج نفسه: ليس التقدم في العمر هو سبب نسيان المكان حيث النظارة.. لعنة الله على كل النظارات.. تلاعبنا الاستغماية.. كلا ...الهم والغم والحزن أسباب النسيان..

وينتهى الأب من عمل الكوب الدافئ بالتحبيشة المذكورة.. ثبتت فاعليتها في وأد البرد وتخفيف الألم وتفتيح العيون الهمدانة المهمدة بفعل السخونة. يصرخ الابن أريد عمل المسحة. يرد الأب عندك كورونا.. بعد العلاج نعملها . يهدأ البيت.. بعد ساعتين من الإغفاء والإغماء القهرى تصحو الأم وهي تتشكى: جسمى مكسر.. يا ولاد.

نظرة الأب تحتج: هي ناقصة ؟ تقرأ الأم نظرته بحكم الخبرة، وتعاتب نفسها وتلقح عليه الكلام : بختى.. بختى الأسود من دون الستات.. شخط ونطر.. وحوجة.. ربنا ما يحوجنى للي يسوى واللي ما يسواش! نذر اشتباك حدودي تتجمع.. يحاول الزوج رأب الصدع : بالعقل.. لحقتى تتعدي ؟ العدوي تأخذ خمسة لسبعة أيام حتى تظهر الاعراض.. تهتف: دماغي يتفرتك! يرد مبررا كأنه العلاج : وأنا كذلك.. لو قلت دماغي من جواه.. غليان ونيران.. تحمدى ربنا. تسكت الزوجة: لو اتعديت.. ومت..

الرعب من أول عطسة

يحتج في حزن حقيقى: لا حول ولا قوة إلا بالله. صلي على النبى.. ابننا هو التعبان مش أنت. وهو شاب والأعراض بسيطة. تقترب منه.. يبتعد خطوة خوفا من العدوى.. الوهمية.. تلاحظ نفوره.. تبتسم في مرارة : تبعد عني؟ تلاقيك يوم ما أموت ويقفلوا الكيس الأسود على.. حتفضل واقف خايف.. يغادرها ساخطا: هي كورونا تضرب المخ ولا الرئتين؟ تهتف به محتجة: كورونا.. مالي ومال كورونا.. أنا سليمة.. كنت اختبرك.. لقيتك مجهز الكيس الآسود..

ينظر إليها في ألم وحزن: كل العشرة دي.. الثلاثين سنة.. ودي فكرتك عنى.. الله يسامحك.. تقترب منه مرة أخرى.. فيحتويها في صدره ويربت عليها.. وتسأله عيناه : مش خايف؟ يهز رأسه.. يناديهما ابنهما المريض.. قيسوا لي الحرارة.. قيسوا لي الحرارة أنا حاسس إني نار..
يتكرر مشهد الارتباك ويخرج بقية أفراد الأسرة من معازلهم بالغرف، يضعون الكمامات.. ويرتبك الجميع، ويعاود الأب الدخول إلى المطبخ.. بينما تدس الأم الترمومتر تحت لسان الولد.. ولايزالون يقيسون ويدخلون المطبخ.. ويخرجون، يلفون حول أنفسهم..
مشهد في كل بيوتنا اليوم تقريبا.


الجريدة الرسمية