رئيس التحرير
عصام كامل

الانتخابات.. لو تعلمون عظيمة!!

كلما رنت في أذنى أو قرأت أو سمعت هذه الآية الكريمة أهتز وجدانى وأرتعشت من الداخل والخارج، وانتفض قلبى بين ضلوعى.. واقصد الآية الكريمة: “إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا” [سورة الأحزاب:72]

 

وكلما اقتربت أو عايشت  تحمل أى إنسان أعرفه أو لا أعرفه لأى مسئولية تزلزلنى الآية..  وكلما اقترح صديق ان أتقدم للترشح في أى منصب أو عضوية ما.. ترتعش أوصالى وعندها تظهر الآية بجلالها أمامى!

 

المهم الآن أتابع انتخابات مجالس الادارات والجمعيات العمومية للمؤسسات الصحفية.. وأجدنى مهموما ومحتشدا بآلف الأسئلة لأننى منغمس في هم المهنة التى امتهنتها منذ أكثر من 35 عاما، ورفضت البديل عنها وكان ذهبا حينا وصفيحا يبرق في بعض الأحيان!

 

في البداية انتخاباتنا الصحفية هي صورة مصغرة لأى انتخابات من اتحاد ملاك عمارة إلى عضوية نادى رياضى، أو نقابة مهنية إلى مجلس الشعب أو النواب أو المجالس المحلية، إلى رئاسة الجمهورية أوحتى البيعة إن وجدت في أنظمة الحكم الملكى والأميرى.. إلخ

 

 نعم يختلف الزمن والأشخاص والحقب..  ولا يختلف المضمون! نعم تتطور الوسائل، الرخيص منه والجيد، البدائى والفطرى منها والتكنولوجى.. و لكن الهدف واحد.. نعم تتعدد الطرق وتتنوع بين الشريف والردىء..لكن الهدف واحد.. نعم يختلف الأشخاص ولا تختلف الوسائل والحيل من حيث الشرف والخسة.

 

وعجبا أن الأغلب ولن أقول الكل..  يبرركل شيء إلا من رحم ربه، وينطلق الجميع من المقولة الشهيرة "الغاية تبرر الوسيلة".. وهى المقولة التي أطلقها المفكر الشهير"ميكافيلي" مؤلف كتاب “الأمير” والذي ما زال بعد نحو  500عام يمثل قمة فلسفة الحكم في كل مكان!

 

 وكم من الجرائم ارتكبت وترتكب وسترتكب تحت مظلة هذه المقولة! المهم من يتقدم للترشح  في أى انتخابات أنواع: منهم من يبحث عن شهرة أو نفوذ أو مكسب مادى أو معنوى.. إلخ من مكاسب، ومنهم من يبغى الإصلاح وهم قلة، وغالبا لا تأتى بهم الانتخابات إلا ما ندر.. لماذا؟ 

لأن الانتخابات لها قانونها الخاص الذى لا يجيده غالبا المفكرون أو المصلحون الحقيقيون من جهة، أو لا يملكون المال لإدارتها من جهة ثانية!

أو من جهة أخرى لرفض بعضهم الانغماس في الخدع والحيل الانتخابية إنطلاقا من مبادئه وارتكازا على قيمه التي تربى عليها، ورفضه الوقوع في شرك المقولة الميكافيلية "الغاية تبرر الوسيلة"!، وإلا..  يكون بينه وبين ما يسطره على الورق لا يزيد عن حبر على ورق!

 

طبعا أصبح هناك محترفون للانتخابات بل وأصبحت صناعة وتجارة وحرفة ووظيفة، لها مديرون واستشاريون ومخططون!

نشأ تجار الانتخابات في كل مكان وصارت هناك حرف وصناعات ووظائف وشخصيات تجيد التخطيط لها بعدما صارت بمثابة معارك حقيقية، يتم استخدام كل شيء فيها للأسف، وتصل أحيانا للأعراض والشرف، وغالبا الذمم والضمائر والنوايا التي لا يعلمها إلا المولى عز وجل.. وأصبح  الضرب تحت الحزام وفوقه ويمينه وشماله طبعا هي السمة الغالبة..

 

باختصار أصبح المال هو العنصر الحاكم في هذه الانتخابات، وأصبح كل شيء مباحا فيها للأسف الشديد للدرجة التي أظن أن الكل يخرج منها مثخنا بالجراح وممتلئا بالأوجاع!! وتتجلى الكارثة في الانتخابات حين يتدخل بعض الأشخاص من أصحاب السعة والنفوذ، أو الإدارة والسلطة في هيئة أو شركة ما، أو الجهات المختلفة، أو الدول أحيانا بأجهزة مخابراتها وميزانياتها المفتوحة.. إلخ

أقول حين يتدخلون في دعم مرشح ما أو قائمة ما ماديا أو معنويا أو لوجستيا..وعلى حسب نوع الانتخابات طبعا يكون التدخل ونوعه وحجمه.. ويحدث هذا في الكثير من الانتخابات وقد عاصرنا بعضها وما زلنا..

 

لذلك يثور السؤال: ماذا يستفيد هؤلاء الداعمون من دعم مرشح ما، بل ومحاربة آخر؟! الإجابة البسيطة والسطحية والساذجة معروفة: هى الحفاظ على مصالح قائمة..أو الحصول على مكاسب جديدة.. أو منع من يضر أو يؤثر على مكتساباتهم الحالية أو المستقبلية.

 

ويبقى الجهل وعدم الوعى والأمية السياسية هو التربة الخصبة لكل محاولات الخداع والحيل الانتخابية، وهى كثيرة ومتغيرة من زمن إلى آخر.. والهدف واحد هو الاستحواذ على أصوات الناخبين!

 

وللأسف الكل غارق في هذه البيئة وبدرجة أو بأخرى..لا أستثنى فئة على أخرى، ولا علاقة لها بالفقر أو المكانة الاجتماعية أو حتى درجة التقدم.. وخير دليل ما يحدث في انتخابات النقابات المهنية والأندية الرياضية الراقية ومجالس أقسام وعمداء الكليات الجامعية، والمجالس المتخصصة بل والدول الأكثر تقدما وديمقراطية مثل أمريكا.. إلخ

ومن الكوميديا السوداء التي تدعو للضحك أحيانا، لكنه ضحك كالبكاء هى حيل الانتخابات التي تصل إلى ما يمكن وصفه بالنصب السياسى،  مثلا مازالت حيلة أحد المرشحين ضد المفكر والفيلسوف العملاق، أحمد لطفي السيد في الذهن منذ نحو 100عام، تثير المرارة أكثر من السخرية على أهل بلدى وأنا منهم.

 

 فقد استغل أحد منافسيه أن أحمد لطفى السيد ينادى دائما في مقالاته وخطبه بأهمية الديمقراطية، وأنه من أشد المؤمنين بها لتقدم البلاد ورفعتها.. المهم  نزل المرشح المنافس إلي جماعات من الناس البسطاء وهم الأغلبية  وقال للناخبين:

* هل تعرفون معنى الديمقراطية؟

طبعا الإجابة جاءت كما يتوقع :

 ** لا .

* قال: إن الديمقراطية تعنى إن الرجل الديمقراطى يؤمن بأنه كما يسمح له بالزواج من أربع.. يسمح لزوجته هي أيضاً أن تتزوج من أربعة وهى على ذمته..

 طبعا "مط" الكل بوزه مستهجنا هذا الفعل وهذا المنهج اللى بيتسمى ديمقراطية!

** ومسك المرشح بتلابيب الموقف وطرق على الحديد وهو ساخن بقوله: واللى مش مصدقنى يسأل لطفى باشا السيد سؤال بسيط وهو: أنت ديمقراطى ياباشا؟!

واستطرد بقوله: وح تشوفوا إجابته وشوفوا أنتم بقى عايزين واحد ديمقراطى ولا واحد يحافظ على نسائكم ودينكم!

هل انتهت القصة عند هذا الحد؟!

طبعا.. لا

** في أحد المؤتمرات الانتخابية وقف مواطن يسأل المفكر الكبير لطفي السيد بعد انتهاء خطبته العصماء: هل أنت ديمقراطي يا باشا؟

فلما رد الباشا بالإيجاب طبعا.. انصرف عنه كل من بالسرادق عن بكرة أبيه ، وسقط لطفي السيد.. بالثلاثة!!

حكاية رياضية

** وفى انتخابات رئاسة أحد الاتحادات الرياضية الدولية وتشارك فيها إفريقيا بنصيب كبير من الأصوات.. لجأ أحد المرشحين إلى حيلة من هذه الخدع الانتخابية أمام منافسه الأوروبى. ففي إحدى حفلات الاستقبال كان المرشح الأوروبى سيقوم بالسلام  باليد على كثير من رؤساء الاتحادات الإفريقية.. وهنا تفتق ذهن صاحبنا عن تكليف شخص ما بمسك زجاجة كولونيا ويقوم بالرش منها على يد الشخصية الأوروبية، كلما انتهت من السلام على شخصية إفريقية.

 

وعندما بدأت عملية التنفيذ وحتى انتهاءها كان قد أشاع صاحبنا أن الشخصية الأوروبية عنصرية ولا تحب أصحاب البشرة السمراء، ويتهمهم دائما بأنهم مصدر للعدوى لأمراض كثيرة، لذلك كلف شخصا ما بتطهير يده بالكولونيا كلما سلم على واحد منكم، وهكذا فقدت الشخصية الأوروبية الانتخابات وفاز صاحبنا!

 

الخدع والحيل

والحيل كثيرة والرشاوى متعددة الأشكال والأنواع.. دولية ومحلية.. ففي الإنتخابات الرئاسية إلى إنتخابات العمد والمشايخ.. وفضيحة ترامب والتدخلات الروسية في الانتخابات الأمريكية قد تكون مثالا دوليا حديثا.. لكن الكل يعرف أن الانتخابات الأمريكية يلعب فيها اللوبى اليهودى دورا كبيرا،  وكذلك بعض الانتخابات الأوروبية.

 

 وفى بلادنا  تنوعت الرشاوى من الزيت والسكر إلى أشكال كثيرة وعلى كافة المستويات والانتخابات.. لا أستثنى أحدا من وعود زائفة إلى جمل إنشائية.. وهكذا من إنتخابات مجلس الشعب إلى الانتخابات النقابية.. إلخ

 

لكن ما يزلزلنى هل سأل واحد ممن يتقدم للترشح في أى منصب أو مر بذاكرته الآية الكريمة التي بدأت بها المقال: "إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا"[سورة الأحزاب:72]

 

هل سأل أحد منهم هل يقدر على تحمل الأمانة التي أبت الجبال على حملها؟! طبعا الأمانة تختلف من مكان إلى آخر ومن منصب إلى سواه..  لكن المسئولية ضخمة..

 

كارثة الانتخابات الصحفية

تعالوا نطبق ما نقول على انتخابات مجالس إدارات وجمعيات عمومية في مؤسساتنا الصحفية.. هل سأل كل مرشح نفسه هل هو قادر على تحمل الأمانة؟ هل سأل كل مرشح نفسه: هل لديه القدرة والخيال والإرادة على تغيير الواقع المؤلم والسيئ الذى تعيشه هذه المؤسسات الآن؟ هل سأل كل مرشح نفسه: ماذا سيفعل أمام المشاكل المزمنة؟

 

هل سأل كل مرشح نفسه: هل لديه حلول عملية؟هل سأل كل مرشح نفسه: هل قادرعلى طرح بدائل لبعض ما يسرب من سيناريوهات للدمج وخلافه؟ هل سأل كل مرشح نفسه: هل لديه القدرة على مواجهة أصحاب المصالح ومواجهة لوبى الفساد الساكن داخل معظم المؤسسات، صغر حجمها أو كبر؟ هل سأل كل مرشح نفسه: هل سينقذ أى مظلوم من مشنقة ظالميه داخل المؤسسات؟

العديد من القضايا والأسئلة تجعل الفائز في مثل هذه الانتخابات كالقابض على جبال من الجمر، قد تدخله جهنم وقد تجعله من المبشرين بالجنة.. وهذا أصعب من صعود القمر مشيا على الأقدام!!

أسئلة مشروعة للدولة

الانتخابات في المؤسسات الصحفية تطرح العديد من الأسئلة، والكارثة أنك لا تعرف من يجيب على هذه الأسئلة حتى تتوجه إليه بها! الكارثة أنك لا تجد من يناقشك ويملك الحجة والمنطق والمعلومة، تعالوا نطرح بعض الأسئلة:

مثلا هل يعقل أن تتم هذه الانتخابات في ظل الوجود الحالي لرؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير ورؤساء هيئات الصحافة والاعلام، بل والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بتشكيلهم الحالي! وبعيدا عن الأشخاص  والحساسيات.. الأمر مثير للجدل والوجع في آن واحد.

 

فاليوم تتنتهى الانتخابات في كل المؤسسات الصحفية.. يعنى عمليا سيتم انتخاب أعضاء جدد في مجالس الإدارات والجمعيات العمومية، وطبقا للقانون سيتم اختيار وتعيين عدد أخر مناظر لما يتم انتخابه لينضموا إلى التشكيل الجديد في المرحلة التالية، حتى يتم الانتهاء من تشكيل هذه المجالس، والسؤال من سيختار المعينون الجدد؟

 

طبعا المتعارف عليه أن رئيس مجلس إدارة كل مؤسسة هو المنوط به عملية الاختيار؟ ولدينا سيناريوهان لا ثالث لهما:

• السيناريو الأول: أن يتم تغيير رؤساء مجالس إدارات وروساء تحرير الصحف ورؤساء هيئات الإعلام والصحافة والمجلس الأعلى للإعلام بعد الانتخابات.

السيناريو الثانى: أن يظل الأمرعلى ماهو عليه الآن.

لذلك كان الأولى بنا قبل دخول عملية الانتخابات أن تجيب الدولة على أسئلة الجماعة الصحفية من جهة، وتطرح هي السيناريو الذى سينفذ في الفترة القادمة، خاصة بعد إعادة منصب وزير الإعلام وعلى أساس السيناريو تتم عملية الانتخابات.

طبعا كان من الأوفق - على ما أظن– وبعض الظن إثم (!!) لو كانت لدى الدولة الرغبة في التغيير كانت قد بدأته قبل الشروع في عملية الانتخابات.. حتى تتم الانتخابات على الوضع الجديد. وبما إن هذا السيناريو لم يتم.. فامامنا إما التغيير بعد الانتخابات أو البقاء محلك سر!

وبالدوران في فلك السيناريوهات المحتملة تنفجر الأسئلة:

**  هل يختار رئيس مجلس الإدارة الحالي الأعضاء الجدد وهو على بعد خطوات من تغييره؟

** وهل من يختارهم طبقا لرؤيته ولن أقول "مزاجه" صالحين للعمل مع رئيس مجلس إدارة آخر؟

**وطبقا للسيناريو العملى والمعروف في عملية الاختيار وهو الأقرب للواقع: هل ستقر الهيئة الوطنية للصحافة بل وتختار الأعضاء المعينون.. وهذه الهيئة وهيئة الإعلام والمجلس الأعلى "رؤساء وأعضاء" على شفا حفرة من التغيير؟

* وهل من الإنصاف أو الفطنة أو الموضوعية -قل ما تشاء- أن تختار وتشارك وتقر هذه الهيئة أعضاء جدد  ليتعاونوا ويعملوا مع هيئة أخرى قادمة ورؤسار مجالس إدارة وبفكر ورؤية جديدة؟!

وإذا لم يحدث أى تغيير في قيادات المؤسسات ورؤساء الهيئات.. فتنطلق الأسئلة أيضا

* هل سيختار رئيس مجلس الإدارة الأعضاء الجدد ولو ظاهريا انطلاقا من أنه مستمر في منصبه، وفى هذه الحالة فما الجدوى من إشاعة أنباء التغيير منذ شهور، وما ترتب عليه من حالة من عدم الإستقرار في المؤسسات الصحفية، وما ترتب عليه من وقف حال أحيانا وتجاوزات في أحيان أخرى؟!

واذا كان الكل سيستمر في مناصبه فما جدوى شكوى الجميع من داخل المؤسسات وخارجها من أن الصحافة والاعلام الرسمي  فقد تأثيره على الجماهير وأصحاب القرار في آن واحد!

 أخيرا إذا كان الحال هو الأفضل في الإعلام والصحافة لذلك لا داعى للتغيير فكفى بنا الصمت ومن لا يتكلم الان ليصمت إلى الأبد.

 

أخيرا من حقى أن أطرح السؤال الممل والمكرر الذى مللت من طرحه أنا والكثير من الزملاء : على أى أساس وما هي المعايير التي يتم على أساسها عملية الاختيار في كافة المناصب في مصر عامة وفى المؤسسات الصحفية على وجه الخصوص.. رغم أن المنصب لم يعد مغنما في مصر الآن.. لأصحاب الذمم والكفاءات والضمائر الحية.. أتحدث !!

الجريدة الرسمية